الدين العام: إدارة مرتبكة
منتصف العقد الماضي، كانت غالبية الدين العام خارجية.في حينه، اتخذت الحكومات قرارا بتقليص فاتورة الدين الخارجي من خلال صفقات شراء دين، أهمها تلك الموقعة مع نادي باريس، لشراء 3.023 مليار دولار مستحقة، مقابل 2.153 مليار دولار، بسعر خصم بلغ 11 %.وساهم في تقليص المديونية الخارجية، مبادلة الدين باستثمارات، كما حدث مع دول مثل فرنسا وألمانيا، وشراء سندات "بريدي".
بالنتيجة، تراجعت فاتورة الدين العام.استمر النمو الاقتصادي في تلك الفترة وحتى حدوث الأزمة المالية العالمية. وكانت الآمال تتصاعد بإمكانية تراجع الدين العام.
لكن ما حدث كان عكس ذلك تماما؛ إذ قفز الدين، وأخذ منحى صعوديا استمر حتى اليوم.بعد ذلك، توالت الأزمات المالية نتيجة لأسباب سياسة واقتصادية، محلية وإقليمية.
ومضت الحكومات في سياسات التوسع في الإنفاق، رغم تراجع الموارد المالية؛ ما فاقم من فاتورة الدين التي وصلت مستويات حساسة.الوضع لم يتغير، بيد أن التطور الكبير الذي حدث منذ العام 2008 هو أن الحكومات صارت تميل إلى الاقتراض من البنوك المحلية، وصار عبء الدين الداخلي يتفوق كثيرا على مثيله الخارجي.
ومنذ بداية العام الحالي، اقترضت الحكومة من البنوك المحلية مبلغ 1.3 مليار دينار وأكثر.
وهي ماضية في الاقتراض من الجهات الخارجية بقدر ما يتيح تقييم الأردن لدى مؤسسات التمويل الدولية.في نهاية تشرين الثاني (نوفمبر) 2012، بلغ صافي رصيد الدين الداخلي 11.4 مليار دينار، بنسبة 51 % من الناتج المحلي الإجمالي، فيما الدين الخارجي عند حدود 4.9 مليار دينار.
وتقود كل التوقعات إلى إمكانية زيادة الدين الداخلي خلال الفترة المقبلة، لتبقى الحكومة تنافس القطاع الخاص على الأموال المتاح للبنوك المحلية إقراضها، بسبب ضعف موقف الحكومة أمام الجهات التمويلية الأجنبية والعربية.
وبالتالي، ستستمر مسألة الاعتماد على البنوك المحلية لتمويل عجز الموازنة المقدر بحوالي 1.3 مليار دينار، إلى جانب عجز يقارب 1.1 مليار دينار للمؤسسات المستقلة.
من المؤكد أن الدين الخارجي سيزيد، ربما كثيرا، خلال العام الحالي، نتيجة إصدار سندات "اليورو بوند" التي تنتظر انتهاء الإدارة الأميركية من الإجراءات البيروقراطية التي يمر بها ملف كفالة القروض للحكومة الأردنية من قبل نظيرتها الأميركية، والتي تزيد على ملياري دولار، عدا عن قرض صندوق النقد الدولي المقدر بحوالي 2.1 مليار دولار.ويتوقع أن يرتفع صافي الدين العام إلى حوالي 20 مليار دينار مع نهاية العام.
ولا توجد معايير وضوابط تحد من تعطش الحكومات للاقتراض لحل مشكلة السيولة؛ إذ ما تزال (الحكومات) تنأى بنفسها عن الحلول الحقيقية لمشاكل الموازنة، وتحديدا ضبط الإنفاق، وإعادة النظر في بنوده.
اليوم، البند الأهم في قانون الدين، والمعني بوضع سقف للدين، معطل منذ العام 2010 بحسب ما ارتأت إحدى حكوماتنا الفاضلة.
والمطلوب من حكومة د. عبدالله النسور وضع سقف للدين العام، لا تجرؤ الحكومات على تجاوزه.
الحكمة تقتضي إعادة تفعيل المادة التي تضبط الدين العام عند حدود 60 % من الناتج المحلي الإجمالي، ووضع خطة مدروسة تمكّن من تحقيق هذه المستويات خلال السنوات المقبلة، بعد أن اقترب الدين من نسبة 70 % من هذا الناتج.
على مدى سنوات، كانت إدارة الدين مرتبكة وغير مسؤولة، ما أوصلنا إلى الحافة. والعودة إلى طريق السلامة بحاجة إلى خطة شجاعة وثابتة ومحددة، تضع الأمور في نصابها الصحيح.
الغد