الدولة الأردنية أخطأت باستقبال عمر البشير  

الدولة الأردنية أخطأت باستقبال عمر البشير  
الرابط المختصر

أضاعت الدولة الأردنية ممثّلة بحكومتها ومجتمعها المدني ومؤسسات حقوق الإنسان فرصة رفض استقبال الرئيس السوداني المتهم بإبادة شعبه، ثم السماح له بمغادرة الأردن من دون محاسبة أو حتى استنكار.

انضمّ الأردن الى اتفاقية روما التي أسّست "محكمة الجنايات الدولية" في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر عام 1998. وفي 11 نيسان/ أبريل 2002، تمّت المصادقة على الانضمام إلى محكمة الجنايات وقد أصبح الاتفاق ساري المفعول في الأول من تموز/ يوليو 2002 عند نشره في الجريدة الرسمية.

وقد شارك الأردن في السنوات الماضية في العديد من فعاليات المحكمة، كما عيّن الأردني عون الخصاونة قاضٍ في محكمة الجنائيات الدولية، كما تمّ تعين تغريد حكمت أول قاضية عربية مسلمة في "محكمة رواندا" التابعة للمحكمة الدولية. كما شاركت الأردن وفلسطين والدول العربية الترحيب بقرار المحكمة اعتبار الجدار الإسرائيلي في الأراضي المحتلة منافٍ للقانون الدولي.

وفي عام 2015، قال أحمد المفلح، سفير الأردن في لاهاي، إن الأردن "مستمر في تأكيد دعمه للمحكمة الجنائية الدولية من منطلق قناعته الراسخة بالدور المحوري لها في إحقاق العدالة الدولية ووقف الإفلات من العقاب".

لم يكن التزام الأردن مرتبطاً بنشاطات المحكمة بل تقدّم بخطوات تهدف الى دعم سيادة القانون. ففي العام الماضي صدرت الورقة النقاشية السادسة للملك والتي جاء فيها "لا يمكن لدولة ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان أن تعمل خارج هذا الإطار." كما تمّ التعبير على ضرورة دعم سيادة القانون على المستوى العربي حيث جاء في الورقة: "أن غياب سيادة القانون والتطبيق العادل له كان عاملاً رئيسياً في الوصول إلى الحالة التي نشهدها".

ورغم كل ذلك، لم تبد الحكومة الأردنية أي معارضة لحضور رئيس السودان عمر البشير القمّة العربية في البحر الميت الأسبوع الماضي، ولم يتمّ حتى التفكير بالقاء القبض عليه وتسليمه للمحكمة الدولية كما تعهّد الأردن بصفته موقّعاً على اتفاقية روما.

وعلى خطى الحكومة، لم يُصدر المركز الوطني لحقوق الإنسان أي بيان بخصوص وجود مخالفة جسيمة في مجال العدالة الدولية. كما ولم نسمع من مؤسسات المجتمع المدني المحلية أي تعليق أو بيان يتحدّث عن الموضوع لا من قريب ولا من بعيد.

كما أغفل الاعلام الرسمي والخاص التعامل مع الموضوع، ولم تُنشر تقارير منظمات دولية طالبت الأردن بعدم السماح للبشير من دخول أراضيها أو اعتقاله وتسليمه لمحكمة الجنايات في لاهاي، إذا ما أصرّ على المجيء إلى الأردن.

تنظر الحكومة كما نظرت قبلها جنوب افريقيا إلى أن الاتفاقات والعضوية في التحالفات الإقليمية مثل "المؤتمر الأقريقي" و"جامعة الدول العربية" توفّر حصانة لرؤساء الدول. قد يكون هذا صحيحاً لكن في نفس الوقت ليس من صالح الأردن أن يخالف القانون الدولي. وبدلاً من غياب ستة رؤساء دول عن قمة البحر الميت كان يمكن أن يغيب سبعة رؤساء دون أن يؤثّر ذلك على مجريات المؤتمر.

وبدلاً من استقبال الرئيس السوداني من قبل الملك كان من الأفضل أن تقوم الحكومة قبل انعقاد المؤتمر بإرسال وفد إلى الخرطوم يطالب السودان الشقيق عدم إحراج الأردن، وإرسال المسؤول الثاني في الدولة السودانية بدلاً من الرئيس البشير الهارب من محكمة الجنائية الدولية منذ 2009، والذي أصدرت المحكمة ضدّه مذكرتي توقيف في 2009 و2010 بسبب ما يُنسب إليه من دور في الحملة ضدّ التمرد في دارفور. التهم الموجهة إليه هي الإبادة الجماعية وجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب.

لا شكّ أن الدولة الأردنية كانت مدركة أن موقعها الجيوسياسي لن يعرّضها لانتقادات دولية كبيرة تجاه مثل هذا الخطأ. أوليس هذا هو صلب المشكلة التي حاول الملك معالجتها في ورقته النقاشية السادسة عندما أصرّ على أهمية سيادة القانون بغض النظر عن الأسباب ومن دون أي استثناء.

لقد أضاع الأردن ملكاً وحكومة ومؤسسات مجتمع مدني فرصة ذهبية لإثبات الالتزام الحقيقي للشرعية الدولية واحترام المواثيق والمعاهدات التي وقّع عليها، وتم إقرارها ونشرها في الجريدة الرسمية.

مثل هذا الخطأ يضرّ بمصداقية الأردن وباقي الدول العربية ومؤسسات حقوق الإنسان عندما تشارك في  المطالبة بمحاسبة "إسرائيل" في المحافل الدولية، لكنها تضيع فرصة ثمينة لإثبات الالتزام الصارم بالقانون والشرعية الدولية.

 

داود كتّاب: مدير عام شبكة الإعلام المجتمعي. أسس العديد من المحطات التلفزيونية والإذاعية في فلسطين والأردن والعالم العربي.