الخطر على الأردن؟!
سؤال الساعة بين الناس هو عن تنظيم "داعش" وخطره على الأردن! والأجوبة تراوح بين حدّي التهوين (الرسمي غالبا)، والتهويل (الصحفي غالبا). وبعد أن صرح وزير الداخلية، قبل أيام، بأن بضع "بكبات" لن تخيفنا، رأينا على الشاشات استعراضا داعشيا بالدبابات والصواريخ بعيدة المدى، واضح أنها غنائم من الجيش العراقي الذي ترك أسلحته وولى هاربا بطريقة رسمت علامات استفهام كبرى. وإذا صح خبر أمس عن مغادرة قوات عراقية لحدود الأردن والسعودية، وتصريح ضابط عراقي بأنهم تلقوا أوامر بترك أسلحتهم في المكان والمغادرة، نكون قد حصلنا على جواب خطير عن انتصارات "داعش"! ثم بينما يصرّ قادة محليون من العشائر السُنّية أنهم من قام بالانتفاض على نوري المالكي وحرروا مناطقهم، يظهر "داعش" كسلطة وحيدة في الساحة، تأخذ القرارات وتُخضع "المناطق المحررة".
إعلان "داعش" مبايعة زعيمه خليفة على المسلمين، أضفى بعدا سياسيا كاريكاتوريا على الصورة العسكرية المرعبة للتنظيم، وخفّض قيمته في عيون الناس من لاعب سياسي جدي، إلى ظاهرة عابرة بلا مستقبل. وهو إذا لم يتحول باتجاه أكثر براغماتية ويبحث عن تحالفات معقولة في محيطه، فإن مواجهته والقضاء عليه سيكون محل إجماع إقليمي ودولي.
الحال كما هي اليوم أن تنظيم "داعش" يحقق مكاسب ميدانية، ويمارس الإجرام وإزهاق الأرواح بلا رادع؛ بل ويتعمد ترويج هذه الصورة فائقة الوحشية لترويع الناس وبث الرعب. فالتنظيم لا يبحث عن ولاء الناس، بل خضوعهم. وهو بالفعل من أكثر الظواهر غرابة، وتدور حوله تكهنات متناقضة، من مثل أنه صنيعة الولايات المتحدة أو النظام السوري أو العراقي وسواهم، أو شيئا مشتركا بين أكثر من جهة؛ وذلك أساسا بسبب صعوده المفاجئ وانتصاراته المتتالية التي أعطته المزيد من المصداقية كقوة ذاتية كاسحة، إلى جانب الشكوك الشديدة بشأن حقيقته الأخيرة وارتباطاته ومصادر دعمه.
المهم، هل يشكل "داعش" خطرا على الأردن؟ أنا لا أغامر بأي جواب، وأفضل بسط المعطيات التي يمكن أن نبني عليها إجابة منطقية مقنعة. فمن حيث الخطر العسكري المباشر، ونقصد تدخل "داعش" في الأردن على الطريقة السورية والعراقية، فإن هذا غير وارد. والمسافات الصحراوية الطويلة بين الحدود والمناطق المدنية المأهولة، ستعرض أي قوة عسكرية تدخل للتدمير الكامل قبل أن تصل إلى العمران الذي يوفر لها أرضا ملائمة لمعارك الميليشيات. والأردن يملك من التسليح والقدرات العسكرية الأرضية والجوية حسنة التعبئة والتأهيل، ما يتيح له تدمير قوة "داعش" العسكرية سلفا وراء الحدود؛ إذ تتواجد في مناطق صحراوية مفتوحة. ومن الداخل، فلا يوجد عندنا حاضنة اجتماعية كافية لبروز ميليشيات "داعشية" في مناطق سكنية. وأي محاولة من هذا النوع في بعض البؤر التي نعرف بحضور السلفية الجهادية فيها، ستكون مغامرة معزولة قابلة للإخماد بدعم من الأهالي. وتصريحات منظري السلفية الجهادية في الأردن تأخذ مسافة بيّنة عن "داعش"، وتنتقد سياسته وأساليبه.
لذلك، يبدو نوع التهديد المحتمل الوحيد في المدى المنظور هو التهديد الإرهابي؛ بالتسلل من الخارج، أو إحياء خلايا نائمة للقيام بتفجيرات انتحارية أو غير انتحارية. وسيكون المشهد مخيفا ومرعبا لو اعتُمدت هكذا استراتيجية تُسخر لها كل إمكانات التنظيم. ويجب التحوط بأقصى أشكال الاستنفار الأمني والاستخباراتي لهذا الاحتمال، مع أن المرجح أن التنظيم المنشغل كثيرا بمعاركه المباشرة والحاسمة في سورية والعراق، لا حاجة له إلى فتح جبهة ثالثة في الأردن بلا مردود أو نتائج مباشرة.
الغد