الخروج من عنق الزجاجة

الخروج من عنق الزجاجة
الرابط المختصر

تستعد الهيئات القيادية في جماعة الإخوان المسلمين لعقد مؤتمر داخلي مغلق وموسّع لمناقشة القضايا الخلافية الكبرى التي طفت على السطح خلال السنوات الأخيرة، وبصورة خاصة في الفترة التي تلت استقلال حركة حماس تنظيمياً.

قد تكون مرحلة الانتخابات النيابية وما تلا قرار مقاطعة الجماعة من وحدة الموقف السياسي وتسويقه قد منح الإخوان فترة نقاهة جيدة، بعد أن وصلت الخلافات إلى مرحلة متقدمة غير مسبوقة، واستنزفت طاقات الجماعة وأكلت من رصيدها الشعبي، قبل أن تعود وتتماسك في مرحلة الانتخابات الحسّاسة.

الآن، كثير من السياسيين والمراقبين ينظرون إلى الجماعة في مرحلة ما بعد المقاطعة، وثمة من يراهن على أنّها ستعود وتنشغل مرة أخرى بخلافاتها الداخلية، مع غيابها عن المشهد السياسي، وعدم توافقها على وضع برنامج موحد فاعل يصرّف الطاقات والتفكير في مسارات جديدة تتناسب مع المتغيرات البنيوية التي حصلت في المحيط السياسي والاجتماعي.

الثيمة الرئيسة هنا أنّنا معنيون بنجاح الإخوان في الوصول إلى وصفة توافقية في تأطير علاقة تكاملية صحيّة بين الهم الوطني المحلي والهم الفلسطيني، وهي علاقة يفترض ألا تكون بأي حال من الأحوال متضاربة أو متناقضة، ليس فقط لدى الجماعة بل لدى غالبية الناس هنا، لكن ذلك يقتضي الإجابة عن أسئلة رئيسة وتحديد الأولويات وتوزيع الأدوار وترسيم المساحات الخاصة بكل تحد وسؤال.

مؤتمر الجماعة، إذن، هو مفترق طرق حقيقي، فإمّا أن تعود الجماعة بعده إلى المربع الأول وتبقى في حلقة مفرغة وإما تتقدم خطوات إلى الأمام وتخرج من عنق الزجاجة.

على الطرف الآخر، فإنّ سؤالاً كبيراً يُطرح على نظرة مؤسسات الدولة للجماعة بعد قرار المقاطعة، وفي سياق بروز معارضات وتوترات اجتماعية جديدة، فيما إذا ستبقى الجماعة ملفاً أمنياً أم أنّها ستكون في عهدة الحكومة ومراكز أخرى للقرار، كما حصل في الحوار مع الحركة خلال مرحلة الانتخابات النيابية.

بالقدر نفسه من أهمية خروج الجماعة بوصفة وطنية ورؤى سياسية تساعدها على مواجهة أسئلة سياسية واجتماعية رئيسة اليوم، فإنّ الدولة أيضاً مطالبة بإعادة النظر في صيغة العلاقة مع الجماعة وبحوار داخلي حقيقي يخرج عن المعادلة النمطية التي سادت خلال السنوات الماضية.

التعامل مع الإخوان بمنطق العداوة والخصومة والتحجيم ثبت أنّها سياسات لم تخدم الاستقرار الداخلي ولا تطوير المشهد السياسي، بل إنّ تمعّناً أكثر عمقاً وحكمة سيؤدي إلى أنّ تلك السياسات كانت فاشلة بامتياز ومضرة ليس بالجماعة، بل في المسار الإصلاحي بأسره.

ذلك يطرح سؤالاً وطنياً بامتياز؛ هل المصلحة العليا للدولة تتمثل بالتوافق مع الجماعة نحو الاعتدال والشراكة السياسية والمساهمة في مشروع الإصلاح، وأن تكون رافداً للنخب والحياة الحزبية أم دفعها نحو خطاب متقوقع راديكالي وخارج اللعبة السياسية التقليدية؟!

ما قد يساعد بالإجابة هي مجموعة نقاط: الجماعة تمثل عنواناً من عناوين الوحدة الوطنية، مع بروز خطابات الانقسام والاستقطاب الاجتماعي والسياسي، وتعكس رؤية الطبقة الوسطى المحافظة، مع اهتزاز هذه الطبقة وصعود خطابات الاحتجاج الاجتماعي والاقتصادي، وهي حركة قانونية تؤمن بالديمقراطية والعمل العلني والسياسي، مع بروز خطابات إسلامية متشددة لا تؤمن إلا بالعمل السري والتغيير الجذري.

بعد ذلك، وفي ضوء بروز أزمات اجتماعية وسياسية تطيح بكثير من قواعد اللعبة السياسية الحالية فإنّنا معنيون بإعادة تحديد المواقع والمواقف واختبار كثير من السياسات الرسمية وعدم التسليم بالمسلّمات الخاطئة التي بنيت عليها.

span style=color: #ff0000;الغد/span