الخروج من "المساحة الرمادية"

الخروج من "المساحة الرمادية"
الرابط المختصر

إشارة نوعية يبعث بها "مطبخ القرار" باتجاه الإصلاح السياسي، لكن هذه المرّة من القاعدة الأكثر أهمية ورسوخاً وهي "الإصلاح الدستوري"، وقد تجاوب تشكيل اللجنة بصورة واضحة وكبيرة مع الحراك الشعبي الذي كان يدفع بهذا الاتجاه.
الرسالة الملكية لرئيس اللجنة مهمة بحد ذاتها، وقد فتحت الباب مشرعاً تماماً أمام أعضاء اللجنة لتقديم "صيغة دستورية إصلاحية" تكون كفيلة بإعادة التوازن بين السلطات، وتقوية دور كل من السلطتين التشريعية والقضائية في مواجهة التغول الواضح للسلطة التنفيذية خلال السنوات الماضية، ما أضرّ كثيراً بالمعادلة السياسية بأسرها.
الكرة الآن في ملعب "اللجنة الدستورية"، وفيها عضوان بارزان في لجنة الحوار الوطني (طاهر المصري ورجائي المعشر)، وقد شاركنا معهم في الأسابيع الماضية بدراسة للتعديلات الدستورية المطلوبة، وكان المتوقع أن توضع في "عهدة الملك"، فيما يأتي تشكيل اللجنة الدستورية، وكأنّه تسريع لهذه الخطوات وتأكيد على البدء بمرحلة سياسية جديدة مختلفة، كما نأمل.
الملك منح اللجنة "تفويضاً" تاريخياً غير مسبوق، وهي فرصة لا تعوّض أمام أعضاء اللجنة نرجو ألا تضيع وأن يأخذوا باعتبارهم أنّ ما يقومون به سيكون له تأثير كبير وفاعل على مستقبل النظام السياسي، فلا مجال للتردد أو الخشية من "إصلاحات حقيقية" طالما أنّ الرسالة تحثهم على ذلك، بخاصة ما يضمن استقلالية مجلس النواب ورد الاعتبار لأهمية القضاء ودوره البنيوي في حماية العدالة وتعزيز شرعية الدولة.
الأسبوع الماضي وحده شهد زيارة وفود دولية مهمة من "مساعدي" أعضاء الكونغرس الأميركي والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، وجميع هذه اللقاءات ركّزت على التزام الدولة بخطوات جدّية وملموسة في الإصلاح السياسي، وهو ما يعزّز القناعة أنّ الأجندة الدولية نحو الأردن باتت تمنح الأولوية للإصلاح السياسي وتعتبره "مفصلاً" أساسياً في تحديد حجم المساعدات.
إذن، نحن أمام رسائل مهمة تؤكد على "نوايا الإصلاح" لكنها تصطدم بصورة مباشرة برسائل "عملية أخرى"، من خلال سياسات وممارسات على أرض الواقع في الاتجاه المعاكس تماماً!
الرسالة الأكثر أهمية، في المرحلة المقبلة، هي ما يتم عملياً على أرض الواقع من "بناء أرضية" الإصلاح السياسي، في مختلف المجالات، وإطلاق مساحة الحريات العامة والإعلامية، ما يغيّر القناعة لدى "المزاج الشعبي" التي ترى في كل ما يجري "مناورات تكتيكية" و"شراءً للوقت".
المعضلة الأساسية إلى الآن تكمن في أنّ هنالك خطوات وسياسات ورسائل متضاربة ومتقابلة من "مراكز القرار" وهو ما يشوّش تماماً على بناء صورة واضحة للمرحلة المقبلة، ويخلق حالة من "البلبلة" والتوتر في الأوساط الاجتماعية والسياسية، وهي حالة رمادية، – بالضرورة- ليست صحيّة ولا تخدم الدولة أو المعارضة.
ما يمكن أن ينجم عن لجنتي التعديلات الدستورية والحوار الوطني مرهون بشرط واحد وهو وجود إجماع أو توافق في "مراكز القرار" على السير بخط مستقيم محدد نحو التحول إلى الديمقراطية، وهو ما نلمس نقيضه إلى الآن.
المطلوب مع الإعلان الواضح والمباشر عن الإصلاح الدستوري تقديم رسائل صريحة صارمة موازية بتطبيق الدستور على أرض الواقع، والخروج من مرحلة التوصيات والوعود ورسائل "حسن نوايا" إلى أن يرى المواطن تنفيذاً لذلك في الميدان.

الغد