الحكومة والانتخابات المقبلة

الحكومة والانتخابات المقبلة
الرابط المختصر

حكومة الدكتور عبدالله النسور، أتت في مرحلة لها سماتها ومن أهم سمات المرحلة انتخابات مجلس النواب السابع عشر. وهي انتخابات من المقرر أنها ستجري في إطار قانون الانتخاب الحالي الذي تباينت وجهات النظر حوله. ومهما كانت وجهات نظر المعارضين له، فإن رئيس الحكومة كان قد أبدى رأيه المعارض للقانون تحت قبة البرلمان، لكنه صرّح بكل وضوح عن احترامه للأغلبية التي أقرت القانون، وهو ملتزم بتطبيقه.

ومن سمات المرحلة وجود الهيئة المستقلة المشرفة على الانتخابات بصلاحياتها الدستورية.. وهذا ما هو واضح للقاصي والداني بما في ذلك موقف المعارضة التي حتى هذه اللحظة كانت قد أعلنت مقاطعة الانتخابات المقبلة ناهيك عن سمات المرحلة خارجيا.

حكومة الدكتور عبدالله النسور وشخصية رئيسها المتمتع بالخبرة والكفاءة وصاحب المواقف المعروفة في مجلس النواب ستسعى جاهدة لتكون الانتخابات المقبلة نزيهة وشفافة، وهي أهم مهمة ملقاة على عاتق الحكومة، بل هي مركز دورها المفصلي والتاريخي، ذلك أنها، أي الحكومة ستحرص كل الحرص على تحقيق نزاهة الانتخابات وشفافيتها، وهي (الهدية) التي ستقدمها بعد أن أصيبت النزاهة والشفافية بما أصيبت به في دورات انتخابية سابقة نالت من أهم أركان الانتخابات، والديمقراطية الانتخابية الأردنية "الهشة أساسا".

يأتي التركيز على الشفافية والنزاهة، لأن الظروف السابقة والحالية التي تعلمُها الحكومة تكاد تقول للجميع إن الحكومة الحالية لا تستطيع أن تقدم حلولا سحرية لتراكمات المسيرة الاقتصادية وغير الاقتصادية، ولا حلولا متكاملة للإصلاح، فالظروف التي تراكمت ضمنها المشكلات الاقتصادية والعجوزات تحتاج الى خطط ومنهجية لا تتوفر مستلزماتها المادية وغير المادية حاليا وفي فترة قصيرة تمثل بذاتها بداية الانتقال الى مرحلة قادمة تلي الانتخابات النيابية. وهذا يعني أن نجاح الحكومة في أداء المهمة المعلنة لانتخابات نزيهة وشفافة هو التحدي المباشر للحكومة وللهيئة المستقلة ولكل أطراف العملية الانتخابية من مرشحين وناخبين وهو شبه المؤشر على السير باتجاه الاصلاح فيما بعد.

ومن الواضح كذلك أن الانتخابات المقبلة ستجري بغض النظر عن المقاطعة، فالمقاطعة موقف له مبرراته ومؤيدوه، وشهدت المرحلة الطويلة السابقة جدلا وحوارات جعلت مواقف مختلف الجهات والأحزاب والحراكات وحتى شرائح النخب والأفراد معروفة ولا تحتاج الى مزيد من الشرح والمناظرة، ولهذا سيكون ميدان الانتخابات المقبلة أيضا هو الفيصل والحكم عليها، وعلى المعنيين والمهتمين والمتابعين أن يبذلوا جهودا غير ما تعودنا عليه في الدورات الانتخابية السابقة ليبوِّبوا ويقيموا ما هو رئيسي وما هو ثانوي في التأثير والتأثر في تجربة يقال إنها تختلف عن سابقاتها.

من بين الاختلافات، ما استجد على القانون خصوصا القائمة الوطنية ذات الرقم 27 من عدد مجلس النواب القادم، رغم ضآلة الرقم نسبيا، أما ما تبقى من عدد أعضاء المجلس، فإن الحملات الانتخابية للمرشحين محكومة بعوامل الواقع والتجارب السابقة، وسيكون التحدي الجديد ذا علاقة بالكلام عن امكانيات التوجه العملي لانبثاق حكومة برلمانية كما هو الهدف المعلن لجدوى الانتخابات النيابية المقبلة. وستكون تشكيلة مجلس النواب المقبل هي محتوى الوعاء الذي يتم فيه إفراز كتل نيابية ذات معنى، بدلا من الكتل النيابية "الهلامية" التي ينفرط عقدها أمام المصالح الفردية والضيقة والتي تعرقل امكانيات التطور النيابي الديمقراطي، ولكي لا يتم الغاء المفاهيم والاستنتاجات المسبقة بناء على المقدمات والوقائع فلا بد من إبداء ملاحظات تخص هذا الأمر، ذلك أن الكتل النيابية بالمفهوم السليم للديمقراطيات في العالم، هي كتل حزبية ذات برامج ومناهج تتوافق أو تختلف وبالتالي فإن الاصطفافات تتم على هذا الأساس وليس على أسس هشة تتعلق بالمزاج والحساسية المتعلقة بالأفراد "النواب" وهم تحت القبة. وفي الحالات الطبيعية والمعروفة في العالم فإن (الحكومة البرلمانية) تمثل وتنبثق أساسا من كتل برلمانية متحالفة تحقق أغلبية عددية ذات مصداقية في الثبات النسبي على التوجه والاختيار الديمقراطي وهو أمر غائب أردنيا منذ ستة عقود.

الآراء التي تقول بعدم إمكانية أن تنجز الانتخابات المقبلة كتلا نيابية ذات مواصفات تتحقق فيها توافقات على البرامج والنهج والموقف في مرحلة من الثبات النسبي، هي آراء لها منطقها الواقعي والصحيح الذي يأخذ بالاعتبار المقدمات الحالية على صعيد الأحزاب والحملات الانتخابية للمرشحين، وعلى قاعدة الصوت الواحد المجزوء كما يصفه كثيرون؛ ولهذا كله فإن النجاح الذي يمكن أن يتحقق بغض النظر عن المقاطعة والمقاطعين يتم النظر اليه من زاوية محددة تختص فقط بالعملية الانتخابية من حيث النزاهة والشفافية ومحاصرة طغيان فعل العوامل السلبية، كدور المال السياسي، وحالة مستوى توجه الناخبين للمرشحين الأكثر أهلية للوصول لتمثيلهم تحت القبة، واذا ما تكررت توجهات الناخبين على المفاهيم نفسها والمحركات التي شهدتها الانتخابات السابقة وهي مفاهيم ومحركات لا تنتمي الى (السوية) الديمقراطية في المجتمعات الحضارية رغم أن الناخبين مؤهلون لذلك، اذا كانت النخب والناخبون الشباب ذكورا واناثا قد استوعبوا دروس الانتخابات السابقة على صعيد دور الناخب نفسه، بغض النظر عن العوامل التي تسيء الى النزاهة والى تحكيم الضمير خصوصا اذا حيّد الانتماءات الضيقة في المحافظات.

ومن هنا فإن الحكومة أمام تجربة واختيار مهم في قدرتها على اجراء انتخابات نزيهة وشفافية تشرف عليها الهيئة المستقلة مدعومة بأدوات الدولة التي يجب أن يكون هاجسها وهدفها الأساسي هو نزاهة الانتخابات.

في هذه الحالة فقط فإن نجاح حكومة الدكتور عبدالله النسور هو نجاح سيسجل لها، وسيكون حافزا لمسيرة صحيحة وتفاهمات مقبلة على طريق الديمقراطية والإصلاح الجدي المطلوب.

العرب اليوم

أضف تعليقك