الحكومة تبحث عن (خلخال حزبي) للبرلمان المقبل!

الحكومة تبحث عن (خلخال حزبي) للبرلمان المقبل!
الرابط المختصر

لعن الله نظام الصوت الواحد, فهو, عندنا, وعندنا فحسب, مناف للديمقراطية, وللبرلمانية السياسية, التي إن افتقرت إلى, أو في, صفتها تلك, افتقر البرلمان نفسه إلى صفة ممثل الشعب, أو الأمة, وأصبح ممثلا لقوى وجماعات, يكفي أن تتمثل فيه, وأن تستأثر بحصة الأسد من مقاعده, حتى تخرج منه الديمقراطية, على افتراض أنها دخلته, وأقامت فيه, خروج الروح من الجسد.

لعنه الله; لأنه يمنع الولاء الآخر, أو الثاني, أو الثانوي, أي الولاء للأحزاب السياسية ومرشحيها, أي الولاء لجماعة الإخوان المسلمين ومرشحيها, في المقام الأول, من أن يدخل إلى المجلس النيابي عبر نافذة الانتخابات البرلمانية ما دام الدخول إليه من بوابتها عسيرا على المرشح الحزبي, يسيرا على المرشح العشائري.

لعنه الله كما تُلعن السكين التي ثبت وتأكد استعمالها في ارتكاب جريمة قتل; وبارك الله كل من يضرب صفحا عن خيرها ونفعها في المطبخ, وفي يد الطباخ!

إن نظام الصوت الواحد هو الديمقراطية بعينها, في مجتمع عرف من الحياة الحزبية السياسية الحرة ما خلق ناخبا يفهم (ويمارس) التصويت على أنه تصويت بصوت واحد لا غير لبرنامج انتخابي سياسي حزبي, يحمل على متنه شخوصا, أي المرشحين; أما عندنا فهو كسكين, فِعْلها أقرب إلى الشر منه إلى الخير.

وإن الناس في بلد لا توجد فيه سكة حديد لا يحتاجون أبدا إلى القطار; والناس عندنا, أي شعبنا ومجتمعنا, لا يحتاجون, على ما أرى وأسمع بعينين وأذنين غير حكومتين, لا إلى الانتخابات النيابية, ولا إلى المجلس النيابي, ولا حتى إلى الصحافة, وإلى "الحرة" منها على وجه الخصوص; وليس أدل على ذلك من أن الحياة تستمر على ما هي عليه (من خير أو شر) لو غاب عنهم, وعنها, إلى الأبد, النواب ومجلسهم, والانتخابات النيابية وغير النيابية, والصحافيون وصحافتهم, فإن نشرة يومية يتقاسم تحريرها التاجر بإعلانه التجاري, وعزرائيل بخبر الموت, أي النعي, تفي بالغرض الذي من أجله يشتري المواطن الجريدة.

إنهم, وفي ربع الساعة الأخير, شرعوا يتحاورون, فالجماعة, أي جماعة الإخوان المسلمين التي لم تُشْهِر إيمانها بالديمقراطية, وبالشعب مصدرا واحدا أحدا للسلطات جميعا, وللشرعية السياسية في الحكم, تدعو الحكومة إلى إصلاح وتحسين وتطوير قانونها الانتخابي (أي القانون الانتخابي الذي استنته الحكومة للشعب) بما يسمح لها بأن تزن في البرلمان المقبل ما يَعْدِل وزنها الشعبي المقاس بميزانها هي; أما الطرف الآخر, أي الحكومة, والذي ما أن يجتمع مع الطرف الأول حتى يثبت ويتأكد غياب, أو خروج, الشعب, فيَعِد الجماعة ببرلمان تجري من تحته الأنهار إذا ما خاض مرشحوها المعترك الانتخابي وفق القانون الانتخابي الذي ابتدعته الحكومة في غياب المجلس النيابي "المزوَّر", وإذا ما ارتضوا اتخاذهم خلخالا حزبيا يلبسه البرلمان المقبل, المفرغ من الحزبية السياسية, ومن السياسة, التي يفهمها أعضاؤه على أنها رجس من عمل الشيطان, ينبغي لهم اجتنابه, أي تركه للحكومة, التي هي كناية عن رأس, تحركه رقبة من الخارج, ويلبس طربوشا هو البرلمان.

الحكومة, التي عرفت كيف تستن للشعب قانونا انتخابيا يكفل له, أي للشعب, خلق برلمان له من الخواص السياسية ما للماء الصالح للشرب من خواص, خاطبت محاوريها من الجماعة قائلة لهم: أدوا الواجب; اقترعوا, وترشحوا, وفوزوا إن استطعتم إلى ذلك سبيلا; ثم جاهدوا, من تحت القبة البرلمانية السماوية, في سبيل إقناع المجلس, الذي هو سيد نفسه, بضرورة وأهمية وجدوى إصلاح وتحسين وتطوير القانون الانتخابي..

ويا لها من مهمة دونها خرط القتاد; فكيف لهؤلاء النواب, أي لأكثريتهم, أن يعيثوا في هذا القانون الذي من طريقه جاءوا إلى المقاعد البرلمانية الوثيرة التي عليها يجلسون وينامون, وبما يحفظها لهم, ويحفظهم لها, يتكلمون, ويصمتون, يقترحون ويصوتون, يبكون ويغنون?!

أين الشعب من كل هذا الذي فيه يختصمون ويتفقون?!

أين الشعب الذي لولا غياب سيادته على المجلس النيابي لاستغلق علينا فهم عبارة "المجلس سيد نفسه"?!

أين الشعب الذي في الليلة الظلماء, أي يوم الانتخاب, يُفتقد افتقاد البدر, ففي هذا اليوم الموعود يحضر الناخبون من كل فج عميق, مدججين بكل سلاح, يصلح لخوض حرب, يخرج منها الشعب, بمعناه السياسي, مهزوما شر هزيمة?!

ألا يستحق الشعب أن يُستفتى في أمر القانون الانتخابي أم أن عليه أن يتنزل عن حقه هذا للحكومة, فتُنْزِل له هذا القانون من سمائها?!

الناخبون "الملتزمون" التصويت بما يبقي "الشعب السياسي" في خارج المعترك الانتخابي, سيذهبون إلى صناديق الاقتراع, وسيدلون بأصواتهم, وفق نظام الصوت الواحد, أي اللون الواحد, وسيحتفلون بفوز "المرشح الأحمر", أي المنتمي إلى الناخب بالدم فحسب; أما في اليوم التالي, الذي هو يوم أمْر أتى بعد يوم خمر, فسنسمعهم جميعا يلعنون المجلس النيابي كله, ويتحدثون عن افتقاره إلى, وفي, صفة تمثيل الشعب; وإن هذا التناقض لا نراه إلا في مجتمع عرف من الديمقراطية ما يشبه قطارا أُحْضِر إلى بلد لا وجود فيه لسكة حديد, والتي هي كناية عن البنية التحتية للحياة الديمقراطية.

وإن قطارا بلا سكة حديد لا يحتاج إليه إلا الحكومة, فهي وحدها التي تحتاج إلى الانتخابات البرلمانية, وإلى البرلمان, فكلما اشتدت حاجة الشعب إلى "النقود الحقيقية" توفرت الحكومة على "تزوير مزيد من النقود", فإن "الشكل", والشكل وحده, من الشرعية الانتخابية والديمقراطية هو ما تحتاج إليه كل حكومة لا تستطيع الحكم إذا ما أنشأت لقطار الديمقراطية سكة حديد!

العرب اليوم

أضف تعليقك