الجو العام

الجو العام
الرابط المختصر

تطغى الهواجس ومشاعر القلق على حديث النخب السياسية في البلاد هذه الأيام، تسمع هذه اللغة بوضوح من شخصيات رفيعة في الدولة، وخارجها، وفي السياق القريب من الخط الرسمي كما هي الحال في المعارضة، وهو مزاج يكاد يكون عاماً عابراً للأجيال من السياسيين، ويصيب بالدرجة نفسها شريحة واسعة من المجتمع تحت وطأة الشعور بوجود "أزمة مزمنة"!

دواعي هذا "الجو العام" تتجلّى بوضوح عبر الأحداث الجارية اليوم؛ فالمشكلات الاجتماعية- الثقافية تبدو اليوم أكبر من المرحلة الماضية؛ وتحديداً ما يتعلّق بتحدّي المعادلة الداخلية والعلاقة بين مكوّنات المجتمع، وصعود سؤال العلاقة بين الأردنيين من أصول شرق أردنية وفلسطينية (رغم أنّ هذه القضية مشكوك فيها أصلاً، لكنّها تتضخّم بالدعاية السياسية والأزمة الاقتصادية)، مع النفخ في أسطوانة الهواجس المتبادلة، وكأنّنا أمام صناعة "حالة من الطائفية العرقية" الداخلية، مع أنّ الله حمانا من الطائفية الدينية والمذهبية!

يبدو الصوت المرتفع هو الذي يفتقد إلى الروح الوطنية الجامعة، وتغلب عليه "حالة التخندق"، تغذّيه الأجندة الغامضة للدولة أو بعبارة أدق تناقض مراكز القرار في التعامل مع هذه القصة المتدحرجة، إذ نسمع في أوساط الدولة نفسها أكثر من خطاب ولغة، ما يعزّز ويفاقم تداعيات القلق ولا ينزعها!

وبالرغم من أنّ هنالك لجنة تمّ تشكيلها قبل أشهر طويلة لمناقشة وبحث هذا الموضوع في جوانبه المختلفة، تضم شخصيات مخضرمة ومعتبرة، إلاّ أنّ اللجنة (وفق ما يتسرب) لم تجتمع إلاّ مرّات محدودة، ولم تتواصل أعمالها لتقدّم تصوّراً لمضمون الإشكالية وأبعادها وتوصيات للدولة في صوغ "معادلة" التعامل معها.

تتزاوج مع هذه الهواجس مخاوف أخرى في النظر إلى أزمة الثقة بين الدولة والمجتمع، وتذبذب العنف الاجتماعي، والتطاول على القانون، والانهيارات التي تصيب الجامعات، إذ يضربها العنف وتظهر بوضوح معالم الضعف والعجز في قدرة الجامعات (إلى الآن) في تصحيح الأوضاع والخروج من هذا النفق الكارثي، الذي يضرب مستواها وسمعتها.

تغطس الأزمة الاقتصادية والمالية وراء المشهد وتعمّق من الشروخ والمشكلات الاجتماعية والسياسية، ولا تبدو خطط الحكومة قادرة على اشتقاق ضوء من النفق، مع تزايد معدلات البطالة والفقر ومشاعر الحرمان الاجتماعي، واتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وعمان والمحافظات، وانفجار التضخم مع الالتزام ببرنامج الإصلاح الاقتصادي مع صندوق النقد الدولي

بالضرورة هذه المشكلات والأزمات ليست طارئة، بل هي التي تعصف بالبلاد منذ سنوات. لكن الجديد أنّ الرهان والتعويل كان على ماكينة الإصلاح السياسي أن تعيد هيكلة الأولويات وأسلوب التعاطي معها، وتغيّر المزاج العام بدفعه نحو التفاؤل والعمل للسير إلى أمام، وإذا بهذه الماكينة نفسها تعاني من اختلالات ومشكلات جوهرية، ما يضاعف من حجم المشكلات وخطرها!

كان الرهان على الانتخابات النيابية الأخيرة ووعود الحكومة البرلمانية والإصلاحات المختلفة في إدارة الحياة السياسية، لكنّها لم تقم بهذه المهمة المنتظرة، بل عقدتها، وعزّزت مشاعر الإحباط والتشاؤم في المناخ العام، ليس فقط لغياب المعارضة الرئيسة (جماعة الإخوان) التي كان من المفترض أن تساهم بإعادة الفعالية للمعادلة السياسية، بل ما هو أهم من ذلك لأنّ مخرجات قانون الانتخاب لم تغيّر من بنية المجلس ونوعيته! الخبر الجيّد في هذا الجو المقلق أنّ المجتمع يبحث عن حل، ويريد التغيير نحو الأفضل، والطبقة الفاعلة فيه المعتدلة التي تكتفي اليوم بالمراقبة لديها استعداد كامل للانخراط في الإصلاح المطلوب الممكن، لكن بشرط أن تشعر بالثقة بأنّنا نسير على الطريق الصحيح، لا في الطريق نفسه الذي قادنا إلى هذه المنعرجات الخطرة!

الغد