الجمارك.. من صنع الأزمة؟
الجديد في اعتصام موظفي دائرة الجمارك العامة، كشفهم عن وجود صندوق مالي تحت مسمى "صندوق المساعي"؛ تُدرج فيه كل المبالغ المحصلة من إيرادات ضبطيات الجمارك، والتي تتم إعادة تدويرها بعد بيعها عبر قنوات محددة في السوق المحلية.
الضبطيات متعددة، تشمل ذهبا وألماسا، وأسلحة، وسجائر ومشروبات روحية، وغيرها، باستثناء المخدرات التي يتم ضبطها وإتلافها في مواقع محددة.
وثمة موارد مالية أخرى لصندوق المساعي، مصدرها رسوم بنسبة 002. % على كل بيان جمركي.
ويقدر مطلعون حجم موجودات الصندوق بحوالي 32 مليون دينار سنويا، فيما يذهب آخرون إلى أن القيمة أعلى من ذلك بكثير.
وقد كان لأموال الصندوق دور في توفير تمويل لبعض الامتيازات التي يحصل عليها العاملون في "الجمارك"؛ من مكافآت منتظمة وأخرى موسمية.
الأزمة بدأت حينما لوّحت الحكومة، بدون سابق إنذار، بوقف مكافآت "المساعي" المقدمة للموظفين منذ سنوات، بدون تقدير لحدود ردود الفعل على القرار الذي يمسّ حياة الناس.
وكان الأجدى البحث عن مصادر مالية بعيدا عن حقوق مكتسبة للعاملين، يعتمدون عليها بالتأكيد لتغطية تكاليف حياتهم اليومية.
فكرة وقف مكافآت "المساعي" ليست جديدة ولا طارئة، بل هي مقترح قديم، بدأ في عهد وزير المالية سليمان الحافظ. وجاءت الفكرة ضمن مبادرة طلب الوزارة من المؤسسات التابعة لها تقديم أفكار لتخفيض النفقات بنسبة 15 %، لكنها رُفضت من قبل الحافظ وأُجهضت في حينه، حتى جاء الوزير الحالي أمية طوقان وأحياها.
اليوم، مطالب المعتصمين تشعبت؛ فمن المطالبة باسترجاع المكافآت التي أوقفها وزير المالية، وتصل إلى نحو 125 دينارا للموظف، صار الإصرار على إلغاء الضابطة الجمركية، وإلغاء الرتب، وعدم التصرف بصندوق المساعي وبمكتسبات الموظفين من حوافز وامتيازات؛ بالإضافة إلى زيادة أجور العمل الإضافي بنسبة 100 %، أسوة بموظفي دائرة ضريبة الدخل والمبيعات.
اعتصام موظفي "الجمارك" يهدد بحالة شلل، بدأت تمتد عمليا إلى مختلف القطاعات الاقتصادية.
وتتعاظم المخاطر بسبب حساسية التوقيت في رمضان، واقتراب العيد، ما يؤخر وصول كثير من مستلزمات الأسر؛ من أغذية وألبسة وغيرها.
هذا عدا عن المخاطر البيئية التي تهدد بكارثة تنجم عن طول مدة بقاء المواد الخطرة، مثل "الفيول" و"TNT" والمشتقات النفطية، والتي عادة ما تُخرَج من الموانئ بدورية جمركية.
الأزمة اندلعت، والسيطرة عليها ضرورة من خلال مراجعة معايير وطرق توفير إيرادات للخزينة، والتي ما يزال جميعها ينبع من مصدر واحد هو عقلية الجباية التي تسيطر على الفريق الحكومي الذي بات يفكر بكل ما هو ممكن وغير ممكن لتوفير موارد إضافية، ما يمهد لخلق أزمات كثيرة من هذا النوع!
الخسائر لا تعدّ ولا تحصى. والتقديرات تشير إلى أن إيرادات "الجمارك" خسرت نحو 50 مليون دينار خلال اليومين الماضيين، في وقت الخزينة فيه بأمس الحاجة لكل دينار.
يضاف إلى ذلك خسائر تقدر بالملايين للمستوردين في مختلف القطاعات التجارية والصناعية والخدماتية.
وبالتأكيد ما من طريقة لتعويض الخسائر.المتضررون بدأوا بالشكوى منذ الساعة الأولى للإضراب.
والإعلام ركّز على الخسائر المتوقعة، وحذّر الحكومة من تبعات ترك المشكلة بلا حل على أمل أن يتراجع المعتصمون عن مطالبهم، وعلى قاعدة أن الحكومة لا تخضع للابتزاز.
حتى اليوم، تبدو فرص احتواء الأزمة محدودة، رغم حساسيتها وخطورتها.
وتأخرت ردود الفعل الرسمية حتى ساعة متأخرة من ليل الثلاثاء، حينما أعلن وزير المالية في بيان صحفي أن الحكومة لم تقرر المسّ بحقوق العاملين، وأعادت صرف مبلغ 125 دينارا صباح أمس، لكن بعد فوات الأوان، فلدى الموظفين اليوم مطالب جديدة.
البلد لا تنقصه أزمات، ومن أشعل الأزمة يطفئها.بالمناسبة، ثمة ملاحظات كثيرة على سلوك وعمل موظفي "الجمارك"، والحديث عنها ضرورة، لكن في مناسبة أخرى.