الثقة المفرطة تلد أزمة سياسية
لا نذيع سرا ان قلنا ان البلد يعيش بازمة سياسية مركبة لها اطراف عديدة واسباب كثيرة وكل طرف يحاول ان يغرق الطرف الاخر لينجو بنفسه, فالازمة الاقتصادية لم تلد الازمة السياسية فقط, بل ان محاولة تأطير عمل السلطتين التشريعية والتنفيذية في اطار واحد وجعلهما في حالة تكامل واندماج حقيقي خلق ازمة شعبية في الشارع اغرقت السلطتين معا.
فالقضية ليست غلاء اسعار على وجاهتها, بل القضية مواقف شعبية بدأت تخشى من بروز تحالفات (حكومية ونيابية) جديدة تؤدي الى وأد الديمقراطية بشكلها الحقيقي القائم على الفصل بين السلطات وليس دمجها.
كلامنا عن الثقة النيابية المفرطة بالحكومة لم يعجب كثيرين في مجلس النواب والحكومة,وقد قلنا ان مصداقية مجلس النواب مهمة يجب ان لا تضيع من اجل تمرير ثقة نيابية بحكومة قد لا تعمر طويلا ويخبرنا التاريخ عن حكومات نالت الثقة لكنها لم تستمر شهرا.
بصراحة متناهية, ان الثقة النيابية غير المسبوقة بالحكومة ولدت حساسية لدى القواعد الانتخابية وخلقت حالة احتقان وتراجع في الثقة الشعبية بالمجلس المنتخب حديثا, مما اطلق الشرارة الشعبية ضد مجلس النواب وضد الحكومة, وهذا ما سمعناه وقراناه في مسيرات الاحتجاج يوم الجمعة والتي وجهت هتافاتها ضد النواب والحكومة على حد السواء ولم تفرق بينهما, بل وضعتهما في كفة واحدة وبنبرة هجومية عالية غير معهودة حتى في ايام الاحكام العرفية, وهي حالة تستحق الوقوف عندها.
وقد كشف ظهر الحكومة تماما, بعد صدور التوجيهات الملكية السامية التي طالبت الحكومة بسرعة "التحرك لحماية المواطنين من غلاء الاسعار.." حيث بدأت الاحزاب والصحافة والنقابات, بالقول بمخالفة الحكومة لرؤى جلالة الملك.
بالامس فقط صحا جزء كبير من مانحي الثقة للحكومة و بدأت اطراف في مجلس النواب وخارجه بالعمل للتراجع واتخاذ مواقف صلبة جديدة قريبة من الناس و تضمن لها البعد عن الحكومة والتنصل من الثقة الممنوحة, وقد قرأنا عن نواب طالبوا باستقالة الحكومة وكتل بدأت تفكر بالتقدم بطلب لسحب الثقة من الحكومة وأسئلة نيابية للتحرش بالحكومة مباشرة.
وقد نرى مواجهة حقيقية بين مجلس النواب والحكومة على مشروع قانون الموازنة الذي سيمر بصعوبة بالغة قد تؤدي الى اشتداد خطوط التماس بين الطرفين, وسنرى استئسادا نيابيا من اجل استعادة ثقة الناخبين.
انها ازمة حقيقية, بات فيها مجلس النواب والحكومة وحتى احزاب المعارضة في مرمى النيران, فليس هناك شرعية تخسر فيها الاغلبية وتربح فيها الاقلية الا في بلادنا.
العرب اليوم