التوقيت الموحد.. خطأ في شكل وأسلوب اتخاذ القرار

التوقيت الموحد.. خطأ في شكل وأسلوب اتخاذ القرار
الرابط المختصر

تصدف أن تخطئ الحكومات باتخاذ قرار غير مناسب، كما وتصدف حكومات أن تتناسى اتباع أسلوب الحاكمية الرشيدة في آلية اتخاذ القرار، ولكن أن أن تخطئ في القرار وفي الأسلوب كما حدث في موضوع توحيد التوقيت في الأردن، فالمشكلة تصبح مضاعفة.

من المعروف أن الشعوب والمؤسسات (بما في ذلك الحكومات) تستفيد مما يسمى الخبرة التراكمية، فلكل تقليد سبب ومن النادر أن تتوصل الدول لقرارت مكررة دون أن تكون قد حاولت مرات عديدة البحث عن البدائل ومن خلال التجربة والخطأ تكون قد توصلت إلى تلك الخبرة  المتراكمة.

 فموضوع التوقيت المختلف لفترة الشتاء والصيف تعرض لنقاشات طويلة في كافة أرجاء العالم وبناء عليه توصل الخبراء والشعوب أن تغيير التوقيت ساعة إلى الوراء في الشتاء وساعة إلى الامام في الصيف يوفر طاقة ويخدم مصالح المجتمعات، وبناء على تلك الخبرة المتراكمة أصبح موضوع اختلاف التوقيت جزءا من المنظومة الدولية.

وفي الأردن قامت الحكومات المتعاقبة بمناقشة الموضوع واتخذت قرارت تم تكرارها على مر السنين، ففي البداية كان الشعب يتنظر توقيت بداية ونهاية التوقيت الشتوي، ولكن ضرورات التخطيط للعديد من المؤسسات المحلية والدولية أدت إلى أن توصلت الحكومة الأردنية إلى قرار وضع آلية معرفة متى يتم تغيير التوقيت دون الانتظار إلى الشهر الأخير من كل موسم.

فقرار الحكومات الأردنية السابقة تم نقله إلى المؤسسات الإقليمية والدولية وتم برمجته ضمن أمور مثل توقيت الطيارت والتحول الاوتوماتيكي لأجهزة الحاسوب والخلوي.

ولكن الحكومات المتعاقبة في الأردن، حتى تلك التي تكون مدركة أنها انتقالية، ترغب بتحقيق فهمها غير المنطقي للولاية العامة وبذلك تشعر أنها، وهي وحدها، تمتلك  الحق في الالتزام أو رفض قرارت الحكومات المتعاقبة بغض النظر عن الخبرة المتراكمة والأهداف طويلة الأمد للدولة.

خطأ حكومة عبد الله نسور بالتراجع عن القرارت السابقة لتنفيذ التغيير الموسمي للتوقيت وآلية تحديد كيفية تنفيذ التغيير في التوقيت كان من الممكن تقبله لو تم استعراض تلك الفكرة لمبادئ الحكم الرشيد، ومن أساسيات تطبيق آليات الحوكمة الصالحة هو اتباع آلية تمحيص مسودة أي قرار عبر لجان وآليات مختلفة لمعرفة إيجابياته وسلبياته قبل الشروع في اتخاذ قرار الفصل.

ومن الواضح أن تلك الآلية لم يتم اتباعها في موضوع التوقيث، فقبل أسبوعين فقط من تاريخ التنفيذ أعلنت الجهة الحكومية صاحبة الشأن أن التوقيت الشتوي سيتم تنفيذه في منتصف ليلة الخميس 25 تشرين أول بحيث يتم إرجاع التوقيت ساعة إلى الوراء مع بداية يوم الجمعة 26/11/2012.

ولا نعرف ما إذا دخل القرار النهائي الذي أعلن قبل يوم من تنفيذ التغيير كافة مراحل القرار السليم (إن كان هناك مثل تلك المراحل)، ولكن من الواضح أنه لم يمر بمراحل التمحيص والفحص وذلك بسبب الطبيعة الفوضوية التي تم محاولة معالجة آثار القرار السلبية مثلا في مجال ساعة البداية للمدارس، كما ومن الواضح أن من أهم المؤسسات المتضررة بهذا القرار الذي اتخذ على عجالة كانت الملكية الأردنية والتي سبب ذلك القرار مشاكل وخسائر بسبب توقعها ولآخر لحظة بأن التوقيت الشتوي سيتم تطبيقة.

وحتى لو اعتبرنا، فرضا، أن الحكومة أدخلت القرار للمراحل المختلفة فمن المؤكد أنها لم تشارك المواطنين بتفكيرها، فهل يعقل أن تقوم حكومة ما باتخاذ قرار مهم مثل عدم تطبيق التوقيت الشتوي بدون مشاركة الشعب واستمزاج آراءهم.

فلم يصدر أي خبر أو تصريح أو حتى تسريب في نية الحكومة بالتراجع عن قرارت حكومية سابقة، مما يعني أنه في غالب الظن تم اتخاذ هذا القرار المتعجل وغير المدروس خلال جلسة حكومية واحدة ودون مرور لا في مراحل القرار الحكومي ولا بعد تعريض فكرة القرار للمناقشة الشعبية.

فكما يقال تم "سلق" القرار في وقت قصير وفي جلسة مستعجلة قبل البدء بفرصة عيد الأضحى المبارك وقبل 24 ساعة فقط من موعد التطبيق المقررة مسبقا، ومن الغريب أن الحكومة ورئيس وزرائها لم يبذلوا أي محاولة تذكر في تفسير القرار أو الرد على المنتقدين له سوى القول بأنه سيساعد على حل أزمة السير من خلال السماح للمدارس بالتقرير طوعيا متى تبدأ الدراسة.

والغريب أن هناك ثلثى المملكة خارج العاصمة عمان لا تعاني من أزمة سير والتي هي أصلا غير سيئة لتلك الغاية في عمان، وحتى ذلك التبرير الوحيد ألغته وزارة التربية والتعليم عند إعلان تعميم بأن كافة مدارس المملكة ستبدأ عند الساعة 8 صباحا أي أن التوقيت الطوعي لن يتم تطبيقه.

إن خطورة قرار حكومة النسور حول دمج التوقيتين ليس فقط بمضمون القرار، بل بسهولة قيام الدولة باتخاذ قرار مهم دون مراحل التمحيص والتفكير، فهل هناك قرارت أخرى تم "سلقها" بنفس الطريقة وبدون إدخالها بمراحل التفكير والتخطيط.

كما ومن المؤسف أن فكرة تراكم الخبرات واحترام قرارت الحكومات السابقة يتم تجاهلها من قبل حكومة انتقالية والتي تعرف أن مدة حياتها لن تتجاوز أربعة اشهر.

من الضروري أن يكون خطأ قرار الحكومة وغياب آلية اتخاذ القرارات، مدخلا هاما في إيجاد آليات جديدة تضمن الاستمرارية، فكما قامت حكومة النسور بتجاهل قرارت من سبقتها فمن المؤكد أن يتم، في ظل غياب آليات عملية، نقد قرارت حكومة النسور وبنفس الطريقة غير المدروسة.

فهل هذه هي الحاكمية الرشيدة؟ وهل غياب مشاركة الشعب بقرارت تهمهم تعكس بيئة ما بعد الربيع العربي والاهتمام من قيادة الدولة في إجراء إصلاحات سياسية وإدارية تكفل مشاركة أكبر للمواطن.

*مدير عام راديو البلد وموقع عمان نت

أضف تعليقك