التفكير بمستقبل بلا حل
أعتقد ان الاتجاه الصحيح أردنيا وفلسطينيا الآن، هو التفكير في مستقبل بلا حلّ لمدى غير محدد. لقد تصرفنا دائما باعتبار أن هناك مشروع حل نبقى معلقين على حباله، في وضع انتظاري يشلّ قراراتنا في مناح كثيرة.
في زيارتي الأخيرة قبل أسبوع للضفة الغربية، تعززت لدي القناعة بأن فرص الحل مغلقة، والمستوطنات الجديدة فوق رؤوس التلال تقول ذلك. لكن الجديد أن الفلسطينيين وطنوا أنفسهم رسميا وشعبيا على هذه القناعة، ويفكرون في إدارة حياتهم بمزاوجة مديدة بين البناء والصمود والمقاومة. ولم ألحظ أسفا أو إحباطا بسبب فشل المفاوضات التي يرعاها وزير الخارجية الأميركي جون كيري؛ فعروضه لخطة الإطار بقيت حتى اللحظة الأخيرة منحازة لإسرائيل، وأدنى من كل عروض سابقة.
في أوقات سابقة، لطالما خرجت القيادة الفلسطينية من جولات المفاوضات مخذولة ومغمورة بمشاعر الإحباط، من دون أدوات ومن دون بدائل وخيارات، تلاحقها شماتة المعارضين. ولم أر الحال كذلك أثناء زيارتي الأخيرة ولقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس، والعديد من القيادات والكوادر الحزبية والاجتماعية في مختلف المناطق.
لم يظهر لي الرئيس عباس محبطا أبدا، بل أكاد أقول إنه بدا منتشيا بالأداء الفلسطيني الذي تحدى إسرائيل عبر الذهاب لعضوية منظمات الأمم المتحدة ومواثيقها، بعد امتناع إسرائيل عن تنفيذ إطلاق سراح الوجبة الرابعة من الأسرى، حسب الاتفاق. وبدا مرتاحا للطريقة التي توقفت بها المفاوضات؛ فلا ضغوط على الجانب الفلسطيني، إذ إن إسرائيل هي التي قررت وقفها بعد المصالحة مع "حماس". والرئيس ليس مصرا على المصالحة فحسب، بل يؤكد أن لا عودة للمفاوضات من دون إطلاق سراح الأسرى ووقف الاستيطان. وليس لديه بطالة للأشهر المقبلة؛ فقد انفتحت أمامه ساحة واسعة للعمل بعد قرار الأمم المتحدة قبول فلسطين كدولة عضو مراقب في المنظمة الأممية، بما يسمح بانضمامها إلى المنظمات والاتفاقات الدولية. ولذلك آثار حاسمة بالحصول على أدوات قانونية هائلة ضد الاحتلال والاستيطان والقمع، شرحها الرئيس بإيجاز؛ كما شرح الفرص المفتوحة لمغادرة صيغة سلطة أوسلو إلى صيغة الدولة، وما يترتب على ذلك بالنسبة للوضع القانوني للمؤسسات السياسية الفلسطينية.
وقد مارست الولايات المتحدة، لصالح إسرائيل، ضغطا هائلا على "السلطة" لتأجيل أي خطوات أخرى بعد انضمام فلسطين للأمم المتحدة كعضو مراقب، بحجة إعطاء المفاوضات فرصة. لكن الفلسطينيين انتهزوا امتناع إسرائيل عن إطلاق سراح 130 فلسطينيا من أصحاب المؤبدات، لتحدي الضغط وتنفيذ وعيدهم بالانضمام للمنظمات والاتفاقات الدولية.
وبالمناسبة، فأثناء وجودنا هناك، وصل أيضا رئيس ديوان التشريع والرأي الأردني د. نوفان العجارمة، للمساعدة في هذا الشأن؛ إذ تجري الاستعانة بخبراء قانونيين لبحث معمّق بشأن الخطوات المقبلة، بما في ذلك الدستور البديل الجديد للدولة، بدل القانون الأساسي للسلطة. وكان هناك أيضا وزير بلدياتنا في جولة واسعة على البلديات، وقبلها بأيام كان د. عبدالله النسور وفريق وزاري قد وقعوا تسع اتفاقيات تعاون مع "السلطة".
وفي اجتماعنا مع أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وممثلي فصائل مختلفة ومنظمات شعبية ونقابية، كان الجو أفضل كثيرا. وهناك تناغم على خريطة الطريق للأشهر المقبلة، بحكومة فنية من مستقلين، حتى الانتخابات التشريعية والرئاسية، وإعادة تشكيل منظمة التحرير بمشاركة الجميع، وانتخاب مجلس وطني فلسطيني جديد.
أما على المستوى الشعبي في المدن والبلدات، فقد بدا أن صورة واضحة ترتسم للجميع. فإسرائيل لا تريد حلا، والاستيطان يتسع، والتضييق كسياسة إسرائيلية دائمة. في المقابل، فإن الصمود على الأرض، والمقاومة الأهلية، يجب أن يستمرا بالنسبة للفلسطينيين كنمط حياة لأمد مفتوح، بالتزامن مع بناء حياتهم واقتصادهم ومؤسساتهم، مستعينين بالتضامن والاعتراف الدولي بهم كدولة تحت الاحتلال.
الغد