التعليم ودور المجتمع الغائب

التعليم ودور المجتمع الغائب

إن التحول الذي يشهده العالم في إدارة المعرفة والاستفادة من الوسائل الحديثة وما تفرضه من رؤية جديدة للذات والآخر يتطلب تزويد المواطن بمهاراة غير تقليدية تساعده على الاندماج والدخول في مضمار التنافس العالمي خارج إطار الحدود القطرية للوطن الواحد، ولا بد من النظر إلى أن التعليم ومخرجاته وأساليبه هو جزء من المهارات التي ينبغي أن يُنظر إليها على أنها الهدف الأهم والغاية العليا في أي مجتمع، وأن التحديات التي يواجهها الإنسان في هذا العالم تفرض عليه تغييراً جذرياً لطرق التعليم والتعلم، فهناك صعوبات كثيرة يواجهها التعليم اليوم، منها تزايد النمو السكاني، وغياب التعليم الجيد من حيث النوعية، وغموض الأهداف ونقص التخطيط للسياسة التعليمية، وارتفاع معدلات البطالة وعدم مواءمة مخرجات التعليم لاحتياجات سوق العمل.

ومن خلال النظر في هذه الصعوبات نجد أن حلّها لا يتحقق باستخدام الوسائل القديمة التي تسيطر بها الدولة على استراتيجيات التعليم بوصفها جزءاً من وظيفة الدولة وفرض سلطتها على مواطنيها، ومراقبة مدخلاتهم التعليمية، وفرض المناهج التي تحقق انصياع المواطن وولائه لسلطة الدولة المركزية من منظور شمولي، لأن الدولة لم تعد قادرة على تلبية كل المتطلبات التعليمية التي يطمج إليها الإنسان بنظرته للعالم وما يحدث فيه، وصار التعليم عملية مشتركة بين الدولة والمجتمع، فلم تعد الدولة هي الممول الوحيد له، ولا تملك القدرة على تمويله أصلاً.

من هنا، صار المواطن الأردني صار شريكاً في الدفع، ومن حقه أن يكون شريكاً في رسم السياسات التعليمية، وله الحق في إبداء رأيه في المناهج التي يدرسها أبناؤه، وفي الأساليب التي يتبعها المعلم في تعليمه. وقد بات من المفيد اليوم التفكير بالمشاركة المجتمعية بوصفها خطوة مهمة في تطوير التعليم وزيادة جودته ورفع سويته.

إن المشاركة المجتمعية في التعليم تعني كما عرفتها الأمم المتحدة على أنها "العمليات التي توحد بين جهود الأهالي والسلطات الحكومية لتحسين الأحوال الاقتصادية والاجتماعية والثقافية تحقيقًا لتكامل هذه المجتمعات ومساعدتها الكاملة في التعليم القومي». وهناك من يرى أنها «عملية مقصودة وموجهة ومتكاملة ترتكز على مشاركة واسعة النطاق، وهذه العمليات ذات أبعاد متعددة ومتنوعة وتتطلب تضافر جهود كافة الخبراء بتخصصاتهم المختلفة في الميادين المختلفة، وعملهم كفريق واحد مع ضرورة تدعيم العلاقة التعاونية مع الأجهزة الحكومية تحقيقاً لزيادة فرص إنجاز الأهداف المطلوبة" أو هي "الأنشطة التعليمية التي تستهدف تحسين جودة التعليم والتي تنفذ من خلال شراكة فعالة وإيجابية من مؤسسات المجتمع وتضافر الجهود الأهلية والحكومية لتقديم تدخلات ومساهمات عينية وغير عينية لإحداث تحسين في جودة التعليم".

يبدو أن فكرة سيطرة الدولة على كل ما يتعلق بالتعليم دون النظر لدور الأهالي لم يعد مقبولاً ولا مجدياً في المستقبل، ولا بد من شراكة حقيقية مع المجتمع بشكل عام، وأولياء الأمور بشكل خاص، ومن خلال مساعدتهم يمكن التغلب على كثير من المشاكل، سواء أكانت مشاكل تعليمية أو مادية، كالمشاركة في تطوير المناهج بما يرون من احتياجات أبنائهم، ومساعدة المعلمين في الانضباط المدرسي، وتفعيل القوانين، إضافة إلى الدعم المادي للمكتبة والمختبرات مثلاً، وتقديم المحاضرات والندوات المتعلقة بالبيئة المدرسية والنشاطات اللامنهجية، والمشاركة في إيجاد برامج لمعالجة الضعف في كثير من المواد الدراسية، إذ إن أولياء الأمور لديهم التخصصات المختلفة التي يمكن من خلالها مساعدة الطلاب في كل المواد الدراسية، ومن المفترض تحفيزهم بالمشاركة بوضع أهداف وآليات مناسبة نابعة من المجتمع، وتلبي احتياجاته وتحقق آماله، وتعكس شراكة حقيقة بين المؤسسات المحلية والمجتمع المدني، كما يجب أن تكون متناسقة، ومتوازنة لتخدم أهدافًا واقعية، وتناسب الإمكانات المتاحة التي يمكن امتلاكها، دون التحليق في أحلام لا تتحقق وتهدف إلى تحقيق الجودة الشاملة في التعليم، لتكون مقنعة للأهالي، وتكشف عن فوائد ملموسة ومنظورة عندهم.

المواطن وولي الأمر مدعوان للمشاركة في إصلاح التعليم وتطويره، وإذا كانت الدولة غير قادرة أو لا ترغب في إشراكه، فإن عليه أن يفرض نفسه، وأن يشكل قوة ضاغطة من أجل بناء مناهج تعليمية قادرة على تزويد أبنائه بالمهارات التي تمكنه من التنافس مع العالم، لأن التعليم لم يعد محدوداً بحدود وطنية وقطرية، بل أصبح التنافس خارج كل الحدود، وأن أي ضعف في التعليم يعني ضعفاً في قدرة الأبناء على إيجاد فرص عمل وحياة كريمة في المستقبل.

 

يوسف ربابعة: كاتب وباحث وأستاذ جامعي. له مجموعة أبحاث في مجال التعليم والفكر والسياسة، ومنها: تجديد الفكر الديني، الشعر والقرآن.

أضف تعليقك