التعليم: كسر الاحتكار وتغيير الثقافة السائدة

التعليم: كسر الاحتكار وتغيير الثقافة السائدة
الرابط المختصر

يحتفل الأردن في الرابع من تشرين أول من كل عام، الذي يصادف اليوم، بعيد المعلم. وبما أن المعلم الأردني له نقابة منتخبة تدافع عن حقوقه سأنافش وضع التعليم من دون أن يقلل ذلك من الاهتمام بمركزية المعلم في النظام التعليمي.

تطور الدول يقيم عالمياً حسب تعاملها مع التعليم والصحة، ونسبة المخصصات المالية السنوية لكلا القطاعين تؤشر على مدى الاهتمام بهما، إذا ما جرى مقارنة الميزانيات بحصة الجيش من الميزانية العامة.

كان نصيب الصحة من الميزانية العامة لسنة 2014 (شاملة الخدمات الملكية للجيش) 851 مليون ديناراً، وتم تخصيص 903 مليون ديناراً للتعليم، وفي المقابل خصصت الدولة لوزارة الدفاع 918 مليون ديناراً السنة الحالية، علما أن الوزارة تملك إستثمارات تؤمّن دخلاً إضافياً.

نظرة سريعة على المناهج ونتائج الامتحانات تعكس نتائج غير مرضية عن الوضع العام للتعليم، ويبدو أن مخرجات التعليم الأساسي تمثلت في تراجع نتائج التوجيهي هذا العام، إلا إذا صدق من قال إن تراجع النتائج لهذا العام كان انعكاساً حقيقياً لمستوى الطلبة من دون التشويهات التي شابت في السنوات الماضية بسبب الغش والتدخل الحكومي لرفع معدلات النجاح.

النتائج الأكثر أهمية تنطبق على مخرجات التعليم العالي، فاهتمام العائلات الأردنية المفرط بإدخال أبنائها وبناتها في الجامعات مهما كان الثمن جسّد مشكلة للدولة وللجامعات، عوضاً عن الضرر الذي خلفه للمجتمع والعائلة.

رغم أهمية التعليم للكبار (أهم بكثير من محو الأمية) إلا أن المشكلة مع التعليم العالي في الأردن هو تحويلها لتجارة استغلالية، وهبوط مستوى التعليم، وتزايد الواسطة في التعيينات والترفيعات للمعلمين، وتفشي مشكلة شراء الأطروحات (أحيانا من قبل الأساتذة أنفسهم الذين يجرون المناقشة).

استمرار اعتماد الجامعات على نتائج التوجيهي مقياساً وحيداً للقبول الجامعي هو أمر بحاجة إلى إعادة النظر، خاصة في ظل التغييرات العالمية في التعليم، التي تركز على التفكير الناقد بدلاً من حفظ مواد فقط للامتحان العام من دون استيعابها للمستقبل.

المشكلة أن ثقافة المجتمع والضغوطات العائلية تفرض على كل طالب في نهاية التعليم الأساسي والثانوي ضرورة دخول الجامعة وإلا فإنه يعد إنساناً فاشلاً, علماً أن هناك مجموعة كبيرة من فرص العمل للشباب لا تتطلب الحصول على شهادة جامعية، التي لم تعد تضمن لحامليها وظائف جيدة، فاستمرار وتوسع البطالة عن العمل لخريجي الجامعات يثبت أن الشهادة الجامعية ليست جواز سفر لوظيفة جيدة.

العنف الجامعي شكّل أكبر مثال على فشل التعليم العالي في رفع من مستوى العلم والثقافة والوعي لدى طلابها. والسؤال المحير: ما هو الفارق إذا بين الطالب الجامعي وغير الجامعي فيما يتعلق بالقبلية والتعصب الأعمى وتغليب العضلات على الفكر والمنطق؟

من أسوأ جرائم التعليم العالي في الأردن هو ما يسمى بالنظام الموازي، الذي يسمح لطالب غير حاصل على نتيجة مطلوبة من دخول كلية ما من خلال دفعه مخصصات أعلى.

تلك الأمور مجتمعة خلقت جيلاً كاملاً من خريجي الجامعات غير المثقف، لكنه يعتير أن شهادته (التي لم يستحقها أصلا) تسمح له بالحصول على وظائف عالية. كما يشكل كبرياءه صعوبة للقبول أي وظيفة أقل مما يعتقد أن الشهادة التي حصل عليها تؤهله لها، وبذلك فقد أصبح التعليم العالي نقمة وليس نعمة.

التضخم الكبير في الكليات الجامعية لا يتلاءم مع احتياجات السوق، ولا توجد أي محاولة حقيقية تنظيم الجامعات بحيث تقدم تنوعاً يتلاءم مع ما هو مطلوب. فالمعروف مثلاً أن لكل وظيفة طبيب أو مهندس هناك أربع أو خمس وظائف مساندة, لكن لا يوجد لا في مجتمعنا ولا في جامعاتنا من يشجع شبابنا على اقتناء مهارات لتلك الوظائف المساندة.

وخلافاً لحاجتنا جرى تدمير كليات المجتمع والكليات المهنية ليبقى التعليم العالي مختصراً على جامعات أشبعتنا بخريجي لغة عربية وانجليزية وشريعة وآثار وغيرها من التخصصات، ومجتمعنا واقتصادنا ليس بحاجة إليها بتلك الأعداد الكبيرة. فهل يعقل أن بلداً مثل الأردن يستورد عمالة أجنبية بالأعداد نفسها (وأحيانا بأعداد أكبر) من عدد العاطلين عن العمل محلياً. والوظائف المستوردة ليست وظائف لأشخاص مؤهلين. فما سبب استيرادنا الممرضات ومديري وفنييّ الفنادق والمطاعم وغيرها من الوظائف  في مجالات السياحة والفندقة وغيرها التي يجب أن يملأها الأردنيون.

وعلى الحكومة والقطاع الصناعي والتجاري خلق مجموعة وظائف لا تتطلب بالضرورة شهادات جامعية وتوفير رواتب جيدة لكي يتم جذب الشباب لها من دون شهادة جامعية عالية، أو ربما فقط بتعليم مهني أساسي. أما الوظائف الأساسية غير المتطلبة أي خبرات فهناك ضرورة لرفع مستوى الحد الأدنى من الرواتب لكي يتقدم لها المواطن بدل أن تكون متوفرة فقط للعمالة الوافدة.

عملية التعليم بحاجة ماسة إلى اهتمام حكومي وشعبي أكبر ليصبح مصدراً أساسياً لتنمية وتطور اقتصادي. هذا الاهتمام يجب أن يكسر التقاليد الحالية واحتكار البعض للتعليم خدمة لاستراتجية تعليمية تركز على الفكر الناقد المعتمد على النوع وليس الكم.

  • مدير عام شبكة الإعلام المجتمعي. أسس العديد من المحطات التلفزيونية والإذاعية في فلسطين والأردن والعالم العربي.
أضف تعليقك