التصيـّد للتلفزيون الأردني

التصيـّد للتلفزيون الأردني
الرابط المختصر

ما أن وقع خلل فني في التلفزيون الأردني منذ أيام دفع إحدى المذيعات إلى التلفظ بعبارة نابية لم تكن تعرف أنها ستخرج إلى أسماع المشاهدين، حتى تسابقت بعض وسائل الإعلام الأردنية بكافة أشكالها لنشر وتداول مقطع الفيديو الذي يظهر إعلامية أردنية بمظهر حرج، ربما يكون ملفقا لأن مثل هذه المقاطع يمكن التلاعب بها بسهولة، فالمحاكم مثلا لا تأخذ بالتسجيلات الصوتية والفيديوية الإعلامية كدليل دامغ يمكن الاستناد إليه في الحكم إلا في حالات خاصة أو من خلال إذن رسمي من النيابة العامة. ويسجل لهذه الواقعة جانبان على مستوى رفيع من الأهمية يجعلها قضية خطيرة.

فالجانب الأول يتعلق بأخلاقيات العمل الإعلامي، فلو افترضنا أن المذيعة تلفظت فعلا بتلك العبارة غير المقبولة أخلاقيا والتي وجدت فيها بعض وسائل الإعلام جريمة تمس كرامة المشاهد فلماذا أعيد نشرها عشرات المرات بطريقة مليئة بالإثارة البعيدة عن أخلاقيات العمل الإعلامي حتى شاهدها من لم يشاهد التلفزيون الأردني، وهذا بحد ذاته يعد إسهاما من وسائل الإعلام في نشر خطأ غير مقصود وتسليط الضوء عليه بطريقة الصحافة الصفراء، أي أن الجميع وقع في خطأ أخلاقي لا يقل أهمية عن ذات الخطأ في التلفزيون الأردني إن وقع فعلا، بل هو أخطر لأن المذيعة لم تكن تقصد ما حدث (إن ثبت أنها تلفظت) في حين قصدت وسائل الإعلام التي نشرت خبرا عن الحادثة الترويج له، خاصة أن الكثير من الأردنيين ذهبوا إلى موقع (يوتيوب) ومواقع أخرى لمشاهدة ما أطلق عليه فضيحة التلفزيون الأردني. فالمبدأ الأخلاقي في الإعلام معروف في أنه لا يجوز نشر ما يمكن أن يشكل ضررا على الفرد (وهنا نقصد المذيعة) وليس فيه مصلحة عامة للمجتمع.

أما الجانب الآخر فهو مهني بحت وينقسم إلى جزئيتين، الأولى في أن وسائل الإعلام إن قررت الاهتمام بالموضوع وتسليط الضوء على أخطاء التلفزيون الأردني الرسمي وهذا حق لها، عليها أن تأخذ وجهة نظر إدارة التلفزيون والإجراءات المتخذة إزاء هذا الموضوع ونتائج التحقيق إن ثبت أن المذيعة تلفظت بتلك العبارة أم لا وأسباب تلفظها بتلك العبارة التي من يظهر من خلال التحليل الأولى للمقطع أنها جاءت كردة فعل منها على خطأ في التواصل مع مسؤول البث.

أما الجزئية الثانية وهي المهمة فتكمن في قلة الخبرة في فن التعامل مع الميكروفون، فكثير من المذيعين الذين ظهروا على الساحة مؤخرا سواء في الإعلام الإذاعي أو التلفزيوني لا يعرفون أن أهم ركن في المؤسسة الإعلامية هو استوديوهات البث، وبالتالي الإيمان بقاعدة واحدة لا يجوز الذود عنها أن أي شخص يدخل الأستوديو عليه أن يلقي بكل مشاعره وأحاسيسه الشخصية خارج هذا الأستوديو، وأن يضبط تصرفاته الشخصية، وأن يتعامل مع الأخطاء الفنية بحرفية تامة ليقلل من تأثيرها على المشاهد أو المستمع، ويعطي نفسه شعورا أنه يجلس أمام جمهور من الناس الذين يستمعون إليه أو يشاهدونه، فالإعلام الإذاعي والتلفزيوني من أهم وسائل الإعلام الجماهيري وحتى يكون المذيع جماهيريا عليه أن يصور دائما أنه يجلس أمام جمهور منوع من الناس يراهم ويرونه وعليه أن يحترمهم جميعا، وأن يحرص على النجاح في الاتصال معهم سواء مع أكثرهم علما أو مع أكثرهم أمية، أو مع أكثرهم ثقافة أو أكثرهم جهلا لكي تصل الرسالة الإعلامية إليهم دون تشويش.

إن الخطأ الذي وقعت فيه تلك المذيعة إن ثبت واجهته كثير من وسائل الإعلام المرئي والمسموع والصحف المحلية والعربية والدولية، بل إنني أذكر أن إحدى الصحف المصرية العريقة كتبت على صفحتها الأولى عن عودة أحد سفراء مصر من زيارة هامة العنوان التالي " عودة السكير فلان من زيارة..." كأنها وصفت ذلك المسؤول بأنه دائم السكر، وهناك الكثير من الأخطاء غير المقصودة التي يمكن الحديث عنها.

لا شك أن التلفزيون الأردني بحاجة إلى نقلة نوعية على صعيد الشكل والمضمون الإعلامي وهذا لا جدال فيه، لكن التصيد له بهذا الشكل لا يمكن إلا أن يزيد من انحدار التلفزيون بمستواه، فلا يخفى على أحد أن العلاقة بين التلفزيون الأردني ووسائل الإعلام الأخرى بكافة أشكاله سلبية يحاول كل طرف أن يثبت أن الآخر غير مهني. فالدعوة مفتوحة للتلفزيون الأردني أن يجتهد في رفع مستواه المهني وأن تنتقد وسائل الإعلام أداءه بنوع من الإيجابية.