التربية الذكية

التربية الذكية
الرابط المختصر

 

تبهرنا التكنولوجيا الحديثة بما تقدمه لنا من أدوات جديدة لدراسة الدماغ البشري وتطوره، وتذهلنا أيضاً نتائج هذه البحوث التي استندت إلى دراسة الدماغ وآليات عمله؛ وأكثر ما يثيرني هي تلك النتائج المرتبطة بأدمغة الأطفال الصغار، خاصة الرضع، وكان آخر ماتوصلت إليه البحوث بأن أدمغة الأطفال في عمر الثلاث سنوات تعمل بفعالية أكثر بمقدار مرتين ونصف من أدمغة البالغين.

 

الدماغ يتطور بتفاعل معقد جداً بين العوامل الوراثية وما تقدمه البيئة، كما أكدت البحوث أن الخبرات المتنوعة التي تقدم يومياً تزيد من التشابكات العصبية لدى الطفل، وأن إعادة تلك الخبرات وتكرارها يقوي التشابكات ويجعلها أكثر فعالية.

 

وأطرف تلك النتائج أن الدماغ يقوم بعمليات حرجة جداً ومهمة في أثناء النوم ضمن مجال التخزين والحفظ وتصنيف المعلومات وفرزها، كما يزود بطرق جديدة لحل المشكلات، وأن كفاءة عمل الدماغ ترتفع بزيادة عدد ساعات النوم، التي يجب أن لا تقل عن عشر ساعات للأطفال دون الثلاث سنوات.

 

تقدم هذه التكنولوجيا براهين قوية تشير إلى أهمية التجارب والخبرات التي يعيشها الطفل، وقد تغيّر نموه، وإلى أن تشكيل الدماغ يعتمد على نشاطه، وبسبب مرونته النامية ، فإن كل تجربة في مرحلة الطفولة المبكرة تحفز الدماغ؛ سلباً وإيجاباً، وتتحول إلى ارتباطات أو تشابكات عصبية. يقوى منها ما تم تعزيز استخدامه. وتسمى هذه العملية "التقليم المتشابك"، التي تجعل تطوير دماغ الطفل بشكل صحيح أمراً ممكناً.

 

وعلى الرغم من أن التقليم المتشابك يمتد خلال سنوات الحياة، إلا أن الأكثر حساسية وتأثيراً هي التي تبنى في مرحلة الطفولة المبكرة. فهناك نوافذ للفرص النمائية التي تنمو عندما يتعرض دماغ الطفل لتلك الخبرات فيشكل التشابكات الخاصة بها وتلقائياً يهمل الدماغ التي لم يتعرض من خلالها الخبرات. وعندما يكرر الطفل التجربة، فإنه يضع مسار لها في الدماغ  يقوى إذا تم تكرار هذه التجربة باستمرار، والعكس صحيح إذا غابت هذه الأوقات الحرجة للتعلم، فإنه قد لا يمكن استردادها.

 

من جهة أخرى تغرينا التكنولوجيا لنجعلها بين أيدينا، يومياً، لوحات رقمية لمسية متنوعة الوظائف، فنفرح حين يحملها طفل في عمر العامين، ويستخدمها بحرفية فيتعلق بها، وتصبح مرافقة له باستمرار وقد تغنيه عن ممارسة النشاطات الأخرى. كما تتسابق المدارس ورياض الأطفال إلى تعريف نفسها بالتربية الذكية القائمة على التكنولوجيا.

 

وهنا تكمن الخطورة؛ إذ أن الاستخدام المبكر للتكنولوجيا يأتي في وقت الفترات الحرجة ونوافذ الفرص للدماغ تؤثر سلباً على كل من التعلم، بما في ذلك تطوير البصرية، والتنمية الاجتماعية العاطفية، والتنمية الفكرية والتنمية الحسية والحركية، والقدرة الموسيقية وغيرها من القدرات التي تنمو بالخبرات المباشرة، ولا يمكن لأي تكنولوجيا تعويضها.

 

التربية الذكية لا تعني استخدام التكنولوجيا المبكر، بل تعني كيف  يكون استخدام التكنولوجيا في الطفولة المبكرة: والغرض من ذلك هو عدم تعليم الأطفال كيفية استخدام أجهزة الكمبيوتر.

 

إن الاستخدام الملائم للتكنولوجيا في السنوات المبكرة هو توسيع، وإثراء وتنفيذ وتفريد نطاق التعلم. فإذا كان هدف التعلم يتطلب تعلم موطن حيوانات الحديقة مختلفة يمكن تحقيقه باستخدام برمجية مناسبة  وبالمثل، فإن دراسة الحيوانات المنقرضة والمهددة بالانقراض يصبح أكثر واقعية والتعليمية من خلال استخدام برامج معينة ومواقع الانترنت.

 

ستحمل الأيام المقبلة تطوراً تكنولوجياً أكبر وأدوات جديدة لن نتوقعها وستكون أطر العيش لحياة أطفالنا، فلنعدهم بمستقبل بفتح نوافذ أدمغتهم وتوسيعها لا بإغلاقها وتحديد امكانياتها. وسيكونون جزءاً من العصر الرقمي بتربية ذكية نحن من نقوم بها وليس الحواسيب.

 

أسيل الشوارب: أستاذ مشارك في قسم العلوم التربوية/ جامعة البتراء. قدّمت عشرات الأبحاث والأوراق العلمية، ومنها: تصورات الوالدين حول الممارسات الملائمة نمائياً في رياض الأطفال، تصورات “الطلبة المعلمين في تخصص معلم الصف” حول التعلم والتعليم.

أضف تعليقك