التحدي أمام الأردن
لو أجرينا مقارنة بين الحدود السورية، لأمكنَ الخروج بنتيجة واضحة، على الأرجح، وهي أن الحدود الأردنية-السورية (375 كيلومترا) هي الأكثر انضباطا بالمقارنة مع الحدود العراقية-السورية (605 كيلومترات)، والتركية-السورية (900 كيلومتر). هذا يعني أن ثمة استشعاراً مؤكداً في الأردن للخطر الذي يتربص بالمملكة، إذا ما أُخذتْ سيناريوهات تشكّل إمارة إسلامية في جنوب سورية أو شرقي العراق، طابعا جديا؛ سواء سيطرت عليها "داعش" أم "جبهة النصرة" أم "القاعدة"، أو أيّ خليط كان من أنصار السلفية الجهادية.
الأردن متيقظ لهذا الخطر، ويقع هذا التحدي في رأس قائمة أولوياته الأمنية والسياسية. والتحولات التي طرأت على هذا الملف واضحة جدا لعين المراقب والمتتبع لمسار الانتقالات التي جرت على وقْعِ أحداث سورية من جهة، والأنبار والفلوجة في العراق من جهة ثانية.
اليوم، وعلى خلفية ما يجري في سورية والعراق، يسعى الأردن بكل السبل للوقوف بقوة وحزم أمام ما يظهر أنه تنامٍ في قوة السلفيين الجهاديين. واليوم، نستعيد كلام الملك عبدالله الثاني في منتدى دافوس في العام 2013 عن أن "حركة طالبان الجديدة، التي سيتعين علينا التعامل معها، سوف تكون هذه المرة في سورية". وقد أكد الملك في هذا المنتدى أنه "حتى إذا ما جاءت أفضل حكومة إلى السلطة في دمشق غداً، فإن أمامنا عامين أو ثلاثة نقوم فيها بتأمين حدودنا لعدم السماح لهم (عناصر"القاعدة" وغيرهم) بالتسلل إلى أراضينا، وحتى يتم القضاء عليهم تماماً".
التحدي أمام الأردن هنا ذو مستويين: الأول، تقني وعملياتي يتعلق بمشكلات التهريب والتسلل واللاجئين. والثاني، سياسي يتصل بالإقرار أن ثمة قوى إقليمية ودولية منخرطة في الأزمة السورية، ومن الطبيعي أن يكون الأردن محط تنافس هذه القوى؛ فكلٌ يسعى لجذبه إلى جانبه، والملف الجهادي المسلح ليس بعيداً في سياق هذه المساعي والتحركات.
المعركة في سورية لم تُحسم بين "الجيش الحر" و"الجبهة الإسلامية" من جهة وبين "داعش" من جهة أخرى. وطبيعة الأمور تقول إنه كان من المفيد للأردن لو تمكّن المعتدلون، أو الأقل تشددا، في المعارضة السورية، من تنحية خصومهم في "داعش" وغيرها من المنظمات المتطرفة عن مناطق نفوذهم؛ وهي مناطق لا تخلو من ثروات مهمة كالغاز. هذا الأمر، كما قلنا، ليس محسوما حتى اللحظة، ما يثير القلق الأردني ويفاقمه، من حيث إنه يقدّم دفعة معنوية للناشطين السلفيين الجهاديين في الأردن، ويقدّم لهم أيضا مزيدا من مبررات التجنيد والتحشييد والاجتماع على "قضية".
في المنظار الأوسع، أعتقد أن المصلحة العليا في الأردن تقتضي رفد تلك المواجهة الأمنية المطلوبة والواجبة بسياق سياسي واقتصادي، يعطي أولوية لعملية الإصلاح السياسي وإعادة الاعتبار للطبقة الوسطى ووقف تهميشها وتفكيكها؛ فهي المنبع الأساسي للاعتدال والوسطية الأردنية، وتعافيها يعكس عملية تنمية عادلة. وهذا يعني أن محاربة الفقر والبطالة، ودعم الطبقة الوسطى، هما الحصن التاريخي في مواجهة فراغ سياسي أو احتقان اجتماعي يُعدّ البيئة الحاضنة لدعاوى التطرف والعنف والتكفير والانقسام.
الغد