الانتخابات والمعارضة والمستقبل

الانتخابات والمعارضة والمستقبل
الرابط المختصر

ما معنى واهداف المعارضة السياسية? سؤال يطرح نفسه امام مواكب الانتخابات البرلمانية في طول وعرض بلاد العرب, والتي تنتهي دائما وابدأ بفوز الاحزاب الحاكمة او جماعات السلطة المتنوعة وبهزيمة متفاوتة في الشدة لمرشحي المعارضة. ما يجعل السؤال المطروح مهما ما يلاحظه المراقب, بعد كل تمثيلية انتخاب, من قنوط ويأس في صفوف اعضاء ومناصري المعارضة ومن شعورهم بان الطرق مسدودة امامهم, فقط لانهم لن يدخلوا البرلمان او سيدخلوه باعداد رمزية صغيرة غير مؤثرة.

ان ذلك اليأس يعني ان حركة المعارضة لم تبين بوضوح لاعضائها وانصارها طبيعة عملها ومدى اتساع الافق الذي تعمل فيه, فعدم الوصول الى مقاعد البرلمان لا يعني اكثر من فقدان منبر للتعبير السياسي ووسيلة من وسائل الضغط على الحكم والتأثير على اتخاذ القرارات, لكن تبقى هناك عشرات المنابر والوسائل والساحات الاخر. ذلك ان المعارضة السياسية المنظمة يجب ان لا تنسى قط بانها, اضافة لهدفها الاساسي وهو الوصول الى سلطة الحكم يوما ما, تمثل قوى مجتمع في المجال السياسي غير ممثلة على الاطلاق او غير ممثلة بما فيه الكفاية في مؤسسات الحكم المختلفة, ولما كان الحكم في الغالبية الساحقة من بلاد العرب يمثل اقلية عسكرية او حزبية غير ديمقراطية انتهازية او مذهبية دينية او قبلية او عائلية, فان من الطبيعي ان تمثل المعارضة القوى والشرائح المجتمعية الاخرى. في قلب تلك القوى والشرائح المجتمعية الاخرى من الرجال والنساء يقبع الفقراء والمهمشون اقتصاديا واجتماعيا, والمظلومون سياسيا وحقوقيا, والموصدة في وجوهم ابواب الفرص المتكافئة في مجالات التعليم والصحة والاسكان والعمل وغيرها.

المعارضة اذن يجب ان ترسخ في اذهان اعضائها ومناصريها وعيا عميقا وايمانا لا يتزعزع بمهمتها الاجتماعية - السياسية تلك, تلك المهمة التي ستبقى مفصلية في حياة الشعوب, ومن بينها شعوب امة العرب, الى حين حدوث تغييرات كبرى في تركيبة ووظائف ومرجعية سلطات الحكم. من خلال هذا الفهم لن يكون هناك قنوط, بل تجديد للعزم والارادة لطي صفحة الانتخابات مؤقتا والانتقال الى مجالات نضالية اخرى, وما اكثرها, للدفاع عن حقوق قوى وشرائح المجتمع التي تدعي المعارضة بانها تمثلها.

لكن قبل الانتقال الى مسؤولياتها الاخرى ينبغي ان تطرح المعارضة على نفسها سؤالا يتعلق بعدم فوزها في الانتخابات وتجيب عليه بصدق وموضوعية السؤال هو: هل اظهرت نتائج الانتخابات, اضافة لمواضيع من مثل التدخلات وشراء الذمم, حاجة المعارضة لاجراء تغييرات في خطابها السياسي والاقتصادي والاجتماعي وحاجة لاجراء تعديلات جوهرية في طرائق عملها وفي علاقاتها مع الناس وفي آلياتها التنظيمية? الاجابة على هذا السؤال ليست فقط ضرورية للنجاح في الانتخابات المستقبلية, وانما ايضا للتأكد من انها بالفعل قادرة في عملها اليومي طيلة السنة على تجسيد مصالح القوى والشرائح التي تدعي تمثيلها, نضالا وتوعية وتثقيفا وتجييشا وتحالفات وتوسعا افقيا في العضوية والانصار. ومن المهم ان لا يقتصر نشاط المعارضة على السياسة, بل يشمل ايضا النشاطات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والاعلامية والشبابية والنسائية والرياضية حتى ولو لم تكن لها اية تأثيرات على المجال السياسي العام. ان الناس يجب ان يشعروا بان المعارضة تهتم ايضا بالامور التي تخصهم هم كأفراد وكجماعات محلية وليس فقط التي تخص المجتمع ككل.

اضافة الى كل ما سبق ذكره تحتاج المعارضة العربية ان تذكر نفسها بأنها تختلف عن مثيلتها في دول الغرب الديمقراطي. في الغرب, حيث حسمت الاسس التي تقوم عليها الدولة وحسمت شرعية الحكم, وتوافق الجميع على هوية الامة, واستقرت المرجعية الدستورية كضابط لحياة المجتمع, اصبحت المعارضة توصف بالمعارضة الموالية واصبح تبادل السلطة من خلال العملية الانتخابية لا يؤدي الى اكثر من تغييرات تفصيلية محدودة في البرامج السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

هناك توجه في الغرب الى اعتبار المعارضة جزءا من مؤسسة الحكم وظيفتها ان تمارس النقد والتوازن وتتدرب لاستلام سلطة الحكم في المستقبل, اما المعارضة العربية فانها تحمل مسؤولية تاريخية اثقل وتتعامل مع وضع مجتمعي لم تستقر اسسه بعد.

المعارضة العربية لا تزال تناضل في سبيل قضايا كبرى من مثل اسس الدولة ونظامها الحياتي, وقضية وحدة الامة في وطن واحد, ومرجعية الامة الحاكمة لكل مرجعياتها الاخرى والشرعية بكل انواعها. وهي لا تقل اهمية عن السلطة الرابعة, اي سلطة الاعلام, في مراقبتها ومحاسبتها للاداء الحكومي.

وهي تحمل العبء الاكبر في تصديها للمشروع الامريكي- الصهيوني الاستعماري ولمشاريع الامعان في تجزئة الامة. وعليه فانها, بعكس المعارضة عند الامم الموحدة المستقلة ذات الانظمة الديمقراطية المستقرة, لا تختلف مع سلطات الحكم حول هذا البرنامج الفرعي او ذاك وانما حول الاسس والايديولوجيات التي تقوم عليها الدولة. انها اذن تناضل من اجل تغييرات كبرى, وبالتالي فان عدم وصولها للمنبر البرلماني ليس اكثر من خسارة صغيرة في معركة ملحمية كبرى.

واخيرا دعنا نذكر بان كسب الانتخابات في بلاد العرب هي, كما عبر عنها الصحافي الامريكي فرانكلن آدمر, نتيجة تصويت اغلب الناخبين ضد احدهم وليس من اجل احدهم, واننا لا زلنا بعيدين عن اليوم الذي يفاخر فيه مسؤول كبير, كما فعل رئيس وزراء بريطاني بنجامين دزرائيلي منذ قرنين, من ان »لا حكومة تستطيع الشعور بالامان دون وجود معارضة قوية«.0

الطريق طويل والافق بعيد

span style=color: #ff0000;العرب اليوم/span

أضف تعليقك