الامن العام في مواجهة ازمة الثقة
تخيل انك جالس في سيارتك على جانب شارع عام وسط العاصمة تضيف رصيدا الى هاتفك النقال واذا بالرصاص ينهمر عليك من كل الاتجاهات ومن مسافة قريبة.. كيف سيكون حالك? حتما ستفر هربا وتحت وقع الصدمة العنيفة تقود سيارتك بسرعة جنونية رغم ان عجلاتها الاربعة معطوبة بفعل العيارات النارية.
ليست قصة من الخيال فقد حدث ذلك بالفعل لاحد المواطنين قبل اسابيع في عمان.. فِطْنَة غرفة العمليات في الامن العام حالت دون وقوع ما هو اسوأ, فبعد اتصال من المواطن المرعوب مع (911) ادرك رجال الامن ان دورية "مدنية" ارتكبت خطأ فادحا وتصرفت بناء على معلومات غير دقيقة فتدخلوا على الفور وتم توقيف افراد الدورية الاربعة وتحويلهم الى التحقيق, وفي وقت لاحق قدم مدير الامن العام اللواء حسين المجالي الاعتذار شخصيا للمواطن.
الحادث المذكور يؤشر على حجم التحديات التي تواجه المجالي واركان ادارته الجديدة في سعيهم لتطوير اداء الجهاز ورفع كفاءة منتسبيه وكبح التجاوزات التي بدأت بالظهور في السنوات الاخيرة.
في الدواوين والجلسات العامة يتداول المواطنون سيلا من القصص عن مواقف مشابهة تحدث مع رجال الامن العام في سياق التعامل اليومي معهم. وللانصاف; الصورة ليست سوداوية ابدا فمقابل ممارسات خاطئة لافراد هناك اداء مؤسسي مميز ومواقف مشرفة وانسانية لرجال الامن العام تبعث على الاعتزاز.
لكن جهاز الامن العام مثله مثل غير من القطاعات في الدولة تَعرّض لضغوط عديدة وتأثر بالتحولات الاقتصادية والسياسية وواجه اعباء جديدة غير مسبوقة, وارتُكبت بحقه اخطاء جسيمة من طرف الحكومات وجرى توظيفه في اطار سياسة الاسترضاء النيابي والمجتمعي.
التحدي الماثل مع ادارة الامن العام هو تجسير فجوة الثقة مع المواطنين وتغيير الصورة النمطية السائدة عن رجل الامن ويتطلب هذا الامر الارتقاء بنوعية وكفاءة منتسبي الجهاز, ولهذه الغاية بوشر باجراء عملية واسعة لاعادة هيكلة سياسة التجنيد والتوسع في برامج التثقيف والتوعية وبالتزامن مع ذلك الالتزام الصارم بتطبيق نظام العقوبات على المخالفين وفي هذا الشأن لا يبدي اللواء المجالي اي تهاون تجاه من يثبت تورطه في اعمال مخالفة للقانون كقبول الرشاوى او استغلال وظيفته لمصالح خاصة وقبل اسبوعين تقريبا وقع المجالي قرارا بطرد 16 من افراد الامن في يوم واحد لارتكابهم مخالفات جسيمة.
عملية التحديث تتطلب خططا على مدد زمنية متفاوتة, ثمة اشياء ينبغي انجازها على المدى القصير وخطوات اخرى تحتاج الى خطة متوسطة وما بينهما يجري العمل على تطوير استراتيجية طويلة المدى سيظهر اثرها بعد سنوات.
على المدى القصير هناك حاجة ماسة لصيانة القيم الاخلاقية والمسلكية للافراد, وتكريس علاقة مؤسسية مع قوات الدرك التي يعتقد اللواء المجالي ان استقلالها عن الامن العام كان قرارا صائبا خلافا لما كان يرى قبل ان يتولى منصبه.
المواءمة بين متطلبات الامن في مجتمع بات يتشكل من خليط متنوع من المواطنين والمقيمين بثقافاتهم المختلفة وبين الالتزام في تطبيق المعايير الوطنية والدولية لحقوق الانسان يعد التحدي الاكبر امام جهاز الامن العام, ناهيك عن ظاهرة العنف الجماعي التي يقف "الجهاز" في مواجهتها مباشرة تحمل في طياتها محطات نجاح واخفاق في آن معا, لكنها تشكل في مجملها تجربة غنية تستحق التقويم والمراجعة لتلافي الكبوات في المستقبل.
لدى ادارة جهاز الامن العام بقيادة اللواء حسين المجالي امام عريضة للتحديث والتطوير وهي ما زالت في بداية المشوار, لكن الفريق الجديد بما يحمل من تصورات لم يخضع بعد لامتحان جدي في الميدان لاختبار قدراته, ربما تكون الانتخابات النيابية المقبلة والتعامل مع تداعياتها هي الاختبار الاصعب في المرحلة القريبة.
العرب اليوم