الإعلام والوحدة الوطنية : ثلاثة افتراضات خاطئة

الإعلام والوحدة الوطنية : ثلاثة افتراضات خاطئة
الرابط المختصر

هنالك “مواسم” في الحياة السياسية الأردنية يتم فيها التركيز بشكل مبالغ به على إشكالية الهوية السياسية والوحدة الوطنية في الأردن، وهذا يرتبط عادة بتطورات معينة على الساحة الفلسطينية والوضع السياسي الإقليمي والتي يتم فيها الترويج لنظرية أن الحل الذي يرضي إسرائيل والغرب فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية هو التوطين في الأردن أو “حماس” بعض السياسيين والإعلاميين للحديث عن “الحقوق المنقوصة” للمواطنين من أصل فلسطيني في الأردن. بدلا من الخوض في حوار سياسي مسؤول وناضج حول هذا الموضوع يتم نقله بطريقة سلبية ومسيئة للوحدة الوطنية عبر وسائل الإعلام المختلفة بطريقة لا تخدم الأردن ولا استقرار الدولة والمجتمع.

في هذا المقال أود التركيز على ثلاثة “إفتراضات” يتم تداولها في الوسط الإعلامي الأردني، والتي باعتقادي الخاص لا تعكس الواقع الحقيقي ومن الخطورة بمكان استخدامها كقاعدة لإعداد توصيات وقرارات تكون في نهاية الأمر غير مفيدة ولا تستجيب للمشكلة الحقيقية.

الإفتراض الأول أن الإساءة التي توجه إلى الوحدة الوطنية في الإعلام تتم عن طريق “دخلاء عن الوسط الصحافي” وكذلك “غير أعضاء في النقابة” وهم عبارة عن “بضعة أقلام”. وللأسف فإن الواقع غير ذلك. اشد المقالات إساءة للوحدة الوطنية وترويجا للطرح المتعصب والإتهامي والاستفزازي خاصة في مجال الإنتقاص من حقوق المواطنة أو الترويج لأسطورة الحقوق المنقوصة أو الترويج لوجود قبول أردني رسمي لمشروع التوطين أو حتى وجود وثائق وتفاهمات وهمية مع السلطة الفلسطينية جاءت عن طريق “بعض كتاب في صحف يومية” يكتبون في مواقع إلكترونية وهم أعضاء في النقابة. للأسف لا أستطيع تحديد الأسماء هنا ولكن كما كتبت في مقال سابق يمكن لاستخدام اي محرك بحث عبر الإنترنت استعادة هذه المقالات والمفردات غير المقبولة التي كتبت فيها. وليس من الصحيح أن العدد كان محدودا لأن تلك التجاوزات امتدت على عشرات الكتاب من مختلف التوجهات. لا أنكر أن عضوية النقابة مهمة جدا في ضبط الأداء المهني وتحسينه ولكنها أبدا ليست المعيار والحد الفاصل ما بين المهنية وعدمها وما بين احترام المسؤولية الأخلاقية وغيابها، خاصة وان الحاجة أصبحت ماسة لتوسيع نطاق العضوية وهذا ما يتم الحديث بشأنه بشكل واضح في الوسط الإعلامي.

الإفتراض الثاني هو أن المشكلة تسببت بها المواقع الإلكترونية وليس الصحافة المكتوبة، وهذا ايضا مبالغ به. لا ننكر بأن بعض المواقع الإلكترونية وبهدف زيادة الشعبية والإنتشار كسرت كل المحرمات المهنية وسمحت بنشر مقالات وتعليقات تمس الوحدة الوطنية بقسوة وكذلك التجريح الشخصي والتطاول والاتهامية غير المستندة إلى اية معلومة. وفي المقابل هناك مواقع التزمت بمواثيق نشر محترمة وامتنعت عن السير نحو المناطق المحرمة في الوحدة الوطنية والخصوصيات الشخصية ولا يمكن أن نجمل جميع المواقع تحت مظلة واحدة.

الإفتراض الثالث الخاطئ هو أخطرها وهو الذي يحمِل “القوى السياسية” مسؤولية تأجيج الصراعات الإعلامية والمناكفات التي مست الوحدة الوطنية وأن الإعلام كان مجرد ساحة وأداة عكست الشائعات والمناكفات من الصالونات السياسية. من يروج لهذا الطرح مخطئ لأن المسؤولية الأخلاقية للصحافي تقتضي عدم السماح بالمشاركة في هذه المهاترات. الصراعات بين السياسيين والمتنفذين معروفة ومن المفترض أن تبقى في ساحة محدودة وضمن ما يسمى النخبة السياسية ولكن عندما يمتشق الكاتب قلمه ويعمل على نقل هذه الصراعات إلى المساحات المتاحة له في الصحف والمواقع يكون قد أخطأ بحق البلد وبحق القراء. أن مسؤولية الكاتب ليست أن يكون مجندا لخدمة صراع سياسي شخصي. حتى لو تماثلت رؤية كاتب ما سياسيا مع رؤية أحد السياسيين في مرحلة ما أو تجاه قضية ما فإن هناك حدا فاصلا سواء من الناحية المهنية أو الأخلاقية لا بد من الحرص على بقاءه لأن قارئ المقال والمتابع يستحق أن يعرف الحقيقة المنصفة وليس أن يكون معرضا للتضليل بسبب مواقف سياسية متناقضة.

حل الأزمة في الوسط الصحافي في الأردن يبدأ عند التشخيص السليم وعدم الإستسلام أمام الافتراضات السهلة التي سوف تعفي الكثيرين من المسؤولية ولكنها لن تقدم أي حل جذري، مع الحرص التام على صون وحماية كافة المكتسبات التي تحققت بصعوبة في توسعة نطاق حرية التعبير وتحمل المسؤولية ذاتيا في ضبط ومنع التجاوزات التي تؤثر على مصداقية ودور الإعلام، الجديد منه أو العريق.

الدستور