يحتفل العالم في الثالث من أيار باليوم العالمي للصحافة، وفي هذا المقام من الضروري أن نفرّق بصورة واضحة بين الصحافة والاعلام؛ فالصحافة هي عملية البحث عن الحقيقة وتقديمها للجمهور بصيغة تكاملية بكافّة أطرافها وفي إطار يقدم للمتلقي السياق وذات صلة بالواقع المعاش. ورغم إن الإعلام يشمل الصحافة إلا أنه أصبح أوسع بكثير من ذلك، حيث يشكّل كلّ ما يتعلّق بالمرئي والمسموع الترفيهي والتواصل الاجتماعي. ومن المعروف أنه خلافاً للصحافة التي تبحث عن الحقيقة، فإن الإعلام يبحث عن الإثارة ولا يوجد ضوابط عليه كما من المفضّل أن لا يحصل متلقي الإعلام على الحقيقة الموضوعية وكاملة العناصر.
في الأردن، يحتلّ الإعلام نسبة كبيرة من اهتمام المواطنين، في حين تبقى الصحافة محصورة في أوقات وأطر محدّدة فقدت الكثير من تأثيرها بسب سطوة جهات غير ذات خبرة في المجال الصحافي، حيث تستحوذ الحكومة على حصة الأسد من ملكية الإعلام، وتليها مؤسسات شبه حكومية تعمل بصورة غير عادلة في مجال الإعلان والربح التجاري رغم أنها مملوكة من جهات رسمية كان بالأحرى بها أن تبقى خارج اللعبة التجارية، الأمر الذي شوّه سمعتها وأفقدها قدرتها على العمل الصحافي المهني.
عندما يتمّ السماح للإعلام المملوك من الحكومة أو من هيئات مرتبطة فيها بالتعامل الإعلاني، فإن البحث عن الإثارة وزيادة عدد المشاهدين والمستمعين يطغى على أي رغبة بالعمل الصحافي المهني الصادق الذي يغطّي كامل عناصر الحقيقة.
وفي مجال الاعلام التجاري فحدّث ولا حرج، حيث لا توجد أي ضوابط مهنية نظراً إلى غياب أي إطار تنظيمي ذاتي له، كما وهناك غياب للتقليد الصحافي الذي قد يشجع على المهنية والحياد في ما لو وجد.
أما الإعلام المجتمعي أو الأهلي غير الحكومي وغير التجاري، فإنه شبه غائب عن الساحة الأردنية رغم أن عمّان استضافت عام 2006 تحت رعاية رئيس الوزراء "مؤتمر اتحاد الإذاعات المجتمعية العالمي/ آمارك" والذي شارك فيه إذاعييون من 96 دولة حول العالم.
لقد اجتهدت بعض الجامعات في تطوير إذاعات محلية تخدم المجتمعات المحلية، لكنها كما هي المحاولات القليلة لإقامة اعلام مجتمعي تتعثّر بسبب البيرقراطية والرسوم الباهظة وغياب أي شكل من أشكال الرعاية المجتمعية أو المسؤولية الاجتماعية لدعم استدامة هذه المحاولات الصادقة لتوفير صحافة حرّة ومستقلة وجريئة.
لقد سجل الإعلام المجتمعي في العديد من دول العالم، ولا سيما في أمريكا الجنوبية وأفريقيا نجاحات بارزة أدّت إلى خروج البنك الدولي باستنتاجات حول أهمية الإذاعات المجتمعية في دعم الاقتصاد المحلي وزيادة لحمة المجتمعات وتقوية أواصرها وتقليل الهجرة إلى المدن الرئيسية.
إن المحاولات الأردنية المتواضعة في هذا المجال تصطدم بالإجراءات القانونية والإدارية والمالية والتي تصعّب خلق مؤسسات إعلامية محلية توفر صحافة مهنية مستقلة. ورغم توفر مبالغ كبيرة من الاتحاد الأوروبي من خلال منظمة "يونسكو" لدعم الإعلام في الأردن، إلا أن النتائج في هذا المجال متواضعة لاسيما بسبب الإجراءت البيرقراطية التي أدّت إلى توقّف أربع محاولات إذاعية محلية بسبب شرط توفرّ عشر سنوات خبرة لمدير الإذاعة والرسوم الباهظة التي تُدفع إلى هيئة الإعلام وهيئة تنظيم الاتصالات.
ومع الدخول ابتداء من 15-8 في عملية اللامركزية يطرح المهتمّون سؤالاً بسيطاً: أين دعم الإعلام اللامركزي ضمن خطة الدولة الأردنية في تشجيع اللامركزية. ففي غياب إعلام محلي مجتمعي يتضمّن صحافة مستقلة وجريئة سيكون دور المجالس الجديدة المنتخبة رمزية وغير مؤثرّة وستضع مبدأ اللامركزية في مهب الريح.
في يوم الصحافة العالمي ننحنى احتراماً لمن ضحّى في الوقت والمال والحياة من أجل توفير المعلومة الصادقة والمتكاملة. ومن أجل أن نخلّد ذكرى كلّ من ضحى من أجل صحافة حرة علينا مضاعفة محاولاتنا لتوفير بيئة صالحة لتطوير الإعلام بما يخدم المصالح العليا الأردنية بعيداً عن المصالح الحكومية أو التجارية، بل أن يكون محور الصحافة هو توفير المعلومة الصادقة للمواطن.
داود كتّاب: مدير عام شبكة الإعلام المجتمعي. أسس العديد من المحطات التلفزيونية والإذاعية في فلسطين والأردن والعالم العربي.