الإعلام الأسود
لم يُقدّم رئيس الوزراء د. عبدالله النسور أي تنازل في خيمة الحرية المنصوبة كعنوان للاحتجاج على قانون المطبوعات والنشر المعدل، وقد أعاد الرئيس مواقفه المعارضة للقانون قبل إقراره حتى أنه اعتبر أن تمريره على مجلس النواب السابق من "الأولويات البائسة"، لكنه أكد أن الحكومة لا تملك أي خيار لوقفه أو تعديله.
ولا يكفي وعد الحكومة بتطبيق القانون بحسن النية، فالقانون يتشكل من قواعد قانونية مَن يخالفها يُقدَّم للقضاء مِن أجل الفصل فيها،لان القضاء عنوان العدالة.
أراحت زيارة الرئيس نفوس المعتصمين منذ 35 يوما حتى وإن لم تعطهم حلولا، بل أعطتهم أملا في أن الحكومة لا تعارض أي تعديل على القانون، لكن الرئيس رسم لناشري المواقع الإلكترونية خارطة طريق تشير إلى ضرورة تشكيل أدوات ضغط (لوبي) على المرشحين المحتملين لمجلس النواب من أجل كسب ودهم وإقناعهم بمواقفهم لتعديل القانون من تحت القبة لاحقا.
وقد أسمع الرئيس ناشري المواقع اللإكترونية كلاما مهما لا يعارضه أحد، وهو تنظيم المهنة وعمل المواقع وتنظيفها من العوالق وتطهير القطاع ممن علقوا به..الذين جاءوا للاختباء خلف القامات المهنية النظيفة .. إن الأيدي الرخيصة الغريبة على القطاع هم خصومكم ويستغلون قوتكم الأدبية ومكانتكم في نفوس وضمائر الشعب الأردني ويحتمون بكم ".
تحذير الرئيس من "الإعلام الأسود" لا يختلف عليه أحد بل هو مطلب الرأي العام بعد أن تراكمت الأخطاء وتحول الكثير منها إلى خطايا، ودعوته ناشري المواقع الإلكترونية إلى "احترام كرامات الناس وسمعتهم وخصوصيتهم أدت للوصول إلى استنتاج مهم : "هؤلاء هم خصومكم الذين حرموا القطاع الإعلامي من الحرية المنشودة ".
وهذا يتطلب أن يعي كل من يملك أو يعمل في الإعلام الإلكتروني خطورة هذه الوسيلة وسرعة تأثيرها في الناس، ومِن هنا تأتي أهمية البحث عن أسلوب لحماية المواطن وتأكيد المهنية العالية وعدم الانجرار وراء الابتذال والابتزاز.
نعرف أن الحكومة السابقة تصرفت في تعديل القانون بناء على المخاوف المشروعة للناس من التجاوزات، لا نريد أن نتحدث عن تعديل القانون فلا شك أن هناك بعض القضايا التي يمكن الحديث عنها ، وفي مقدمتها مبدأ الحجب الذي لم يعد مفهوما في الدول الديمقراطية ، وفي وقت بات فيه الفضاء حرا ومفتوحا.
لا يمكن التأسيس لإعلام إلكتروني قوي ومؤثرمن دون إنشاء مؤسسات إعلامية راسخة لها رأس معروف وناشر معروف بعنوان محدد وكوادر صحافية وكتاب ومدققين لغويين وفنيين وادرايين متفرغين للعمل وهاتف يمكن الاتصال من خلاله ب مع أشخاص مسؤولين عن كل كلمة أو صورة تنشر، وذلك لتلافي أية مشاكل وتقديم أية معلومات أو الاحتجاج عليها، أما أن يبقى المواطن يتعامل مع أشباح فهذا هو العبث بعينه.
هناك مواقع إلكترونية جيدة رفعت سقف الحرية الصحافية وحاربت الفساد ونورت الأردنيين وما زالت تقدم خدمة للمواطن ويتابعها الناس ويثقون بها وهذه المواقع المنضبطة هي أكبر متضرر من حالة الفوضى الموجودة في سوق الإعلام الإلكترني الذي يعاني مِن "المتطفلين والهواة"، ومِن هنا جاءت مطالبة دولة الرئيس إلى نبذ "العوالق" وتنظيف الساحة منهم حتى يكون الإعلام الإلكتروني في المقدمة .
نحن بحاجة إلى الحكمة والحلم في التعامل مع هذه الأداة الرهيبة، وبغير ذلك فإن "الصالح سيذهب في معية الطالح" وتجربة الصحافة الاسبوعية ليست ببعيدة عنا.
العرب اليوم