الإعاقة.. مجتمعات،معتقدات،مؤسسات
"حطلّك سُحْسيلة خلّيهم يفوتوا”، بهذه العبارة وجّه أحد المعنيين في المحمكة الشرعية مخاطباً مساعده لِوضع منحدرٍ خاصٍ لِدخول أحد المراجعين من ذوي الإعاقة الحركية يستخدم كرسي متحرك، حيث رفض أن يُحْمَل على الدّرَجِ وأصرَّ على توفير تهيئةٍ مناسبةٍ.
ما زالت النظرة النمطيّة السلبيّة تِجاهَ الأشخاص ذوي الإعاقة تُسيطر على معتقداتِ وتصرّفات مكوّنات المجتمع المختلفة من أفراد ومؤسسات، وهذا يعكس قلةَ الوعي والمعرفة في قضايا هذه الشريحة التي تقدّر نسبتها في الاردن ١٣٪ من نسبة السكان، مما يشكل عوائق ماديّة وحواجز سلوكية تحول دون توفير أبسط هذه الحقوق والمتطالبات.
للعبارة أعلاه صِيَغٌ ومواقفٌ مختلفةٌ تتكررُ في المؤسسات باختلاف خَدَماتها وقطاعاتها والقائمين عليها، تدلُ على استخدام المنظورِ الرعائيِّ الطبّي في التعاملِ مع الشخص ذِي الإعاقة، بحيث تعتبره شخصاً عاجزاً ضعيفاً، وأن إعاقته هي التي تقف أمام اندماجِه في المجتمع وحصوله على حقوقه، وبالتالي فإن الحلولَ والحقوقَ ستقدَّم له بشكلٍ مجزّأ وانتقائي، و في أغلب الأحيان هي حلول فردية و مؤقتة.
وإذا عُدنا مرةً أخرى للعبارة ذاتِها وبالتّحديد كلمة”سُحْسيلة” (مع تجاهل سذاجة التعبير) سنجِدُ أن المفهومَ السائدَ للتسهيلات البيئية والترتيبات التيسيرية الخاصة بذوي الإعاقة، محصورٌ بإطارٍ ضيّق، وقد يقتصر فقط بمنحدرٍ خارجيٍّ خاص بالإعاقة الحركية، مع العلمِ أنّه مفهومٌ واسعٌ وكبير، يشملُ جميع أنواع الترتيبات والتدابير التي يتم اتخاذها لضمانِ دمجِ الشخصِ في محيطِه وحصوله على حقوقه بشكل كاملٍ وبإستقلاليٍةٍ تامّة.
إنّ قوانينَ الدولةِ المختلفة والاتفاقيات الدولية المصادق عليها أردنياً ضمِنَت حقَّ اللجوء للقضاء والتقاضي لأفراد المجتمع كافة، لاسيما الأشخاص ذوي الاعاقة، وجاء ذلك بالتحديد في المادة ٣١من قانون الاشخاص ذوي الاعاقة رقم ٢٠/٢٠١٧، التي فَصلَت جميع المتطلبات التي يجب توفيرها من قِبَل وزارتَيْ العَدْل والداخلية وفصلت التدابير التي تكفل للأشخاص ذوي الإعاقة ممارسة حقهم في التقاضي، سواء أكانوا مدّعين أو مدّعى عليهم على أساس من المساواة مع الآخرين.
النقطة (٢) من هذه المادة أكّدت على توفيرِ وتأهيل خبراء معتمدين لِتيسير التواصلِ مع الأشخاص ذوي الإعاقة في مراحل التحقيق والتقاضي، على أن يكون مِن بينهم مترجمو لغة إشارة متخصصون في ترجمة لغة إشارة القانون، وخبراء تربويون في التواصل مع الأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية، بالإضافة إلى خبراء لتيسير التواصل مع الأشخاص الصم والمكفوفين، وهي فئة غابَت عن أجِندات عملِ العديد من المؤسسات التعليمية والاجتماعية والسياسية.
في واقِعِ الحال يَفْقد الشخصُ الكفيف حقّه في العديدِ من القضايا والحالات لِعدم توفّر موادٍ مطبوعةٍ بلغةِ بريل أو بنظامٍ صوتيّ يُسهّل عليه القراءة، وثمّة أشخاص صُم خَسِروا قضاياهم بسبب استغلالِ و تحريفِ لغةِ الاشارة أو ترجمتِها بشكل خاطئ، بحيث يتحول الشخص من مَجْني عليه لِجاني في بعض القضايا.
لا تَقتصر المعيقات والتحديات على توفيرِ بناءٍ هندسيّ خاصٍ أو ترتيبات تيسيرية مناسبة، فلا بُدّ من زيادةِ الوَعْي وتدريبِ الكوادرِ العاملةِ في الجهات (بِمَن فيهم القُضاة ومُوظفو الضابطة العدلية) على المعرفة بحقوق ذوي الإعاقة وطُرُق التواصل الفعّال معهم، حيث يَندرجُ هذا تحت مبدأ الوعي المجتمعي بقضايا حقوق الإنسان، وهو يعد لَبِنةً ثابتةً في التطويرِ والإصلاح، كما أنه يُشكّل أساسَ الفكرِ والمعتقدِ الذي يترجم لقوانين وقرارات تلعبُ دوراً مهماً في حياةِ الإنسانِ الكريمةِ وفي حُصوله على كافّةِ حقوقه.
وهذا ما أظهره تقرير منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية تحت عنوان "درجة الرضى والتصور العام بخصوص قطاع العدل في الأردن"، حيث كانت نسبة ٦٧٪ من المشاركين غير عالمين بأي من القوانين المتعلقة بذوي الإعاقة، مقابل ٢٤،٩٪ كانوا عالمين، بينما لم يكن ٧،٤٪ منهم متأكدين من معلوماتهم.