إذا كان من حق النخب أن تتساءل بعد ان دخلنا في العام الثالث من عمر “مشروع” الاصلاح عما تحقق على صعيد “التغييرات” في الوجوه والمناصب، او على صعيد خارطة البرلمان والحكومة، او حتى على صعيد “المعادلات: السياسية وقواعد تقسيم السلطة، فإن من حق الناس أن تسأل ايضا عما قدمناه لها من تحسينات على مستوى الحياة والعيش الكريم، او الضرائب ومشتقاتها، او العدالة واخواتها او الكرامة وشروطها التي نعرفها جميعا.
جردة الحسابات على الطرفين مطلوبة اليوم لكي نعرف أين أصبنا وأين أخطأنا؟، ولكي نفهم من أين نبدأ وإلى أين نتجه؟، ولو قدر لي ان ارصد ما جرى لقلت ببساطة ان المسافة بين ما تفكر به النخب وما تريده وبين ما ينتظره الناس ويطالبون به تبدو بعيدة لدرجة الشعور “بالخيبة: والإحباط، خذ مثلا ما يحدث اليوم على صعيد “انشغالات” النخب: سواء التي وجدت طريقها الى البرلمان او التي ما تزال “واقفة” في الشارع او الاخرى التي تنتظر، ستجد ان العناوين التي “تتجاذب” حولها تنحصر في البحث عن صيغة ما “لتقاسم” السلطة او تدوير “الوجوه” او “التوافق” على الاسماء او تقليب الصفقات فيما ما يحدث على جبهة المجتمع والناس يتراوح بين “الخوف” من ارتفاع الاسعار، او السعي للحصول على وظيفة لابناء اخذتهم المحسوبيات الى “البطالة” او التفكير “بالمستقبل” الغامض الذي ينتظرهم، سواء على صعيد “الوظيفة” او “تعليم الاولاد” او أجور السكن والعقارات وغيرها من الهموم الاقتصادية والأمنية والسياسية.
لن ننجح - للأسف - على مدى الاعوام المنصرمة في تجسير “الفجوة” بين الدولة، بنخبها ومؤسساتها، وبين الناس، بمطالبهم وهمومهم واستغاثاتهم، وحين راهنا على ان الانتخابات ستساعدنا على تجاوز الهوّة الواسعة اكتشفنا باننا امام مئة وخمسين نائبا، معظمهم يعتبر نفسه “برلمانا” كاملا لكنه لا يمثل إلاّ الذين انتخبوه، وحين بدأنا ندقق في الكتل التي تشكلت على عجل وجدنا انفسنا امام “قوائم” تزاحمت فيها “الأسماء” التي لا تتفق في الغالب الاّ على “توزيع” الحصص في البرلمان او الحكومة، واغلب الظن انها “ستذوب” تدريجيا بعد ان تضع “المشاورات” اثقالها.
إذن، كيف يمكن ان نضبط “اداء” البرلمان على موجة “الإصلاح” وعلى “الحكومة” البرلمانية، وهل بوسعنا ان نراهن على تجربة “مختلفة” تنقلنا بعد عامين من “المخاضات” الى عتبة المرحلة الانتقالية، وماذا لو اكتشفنا باننا امام “نسخة” مكررة لتجارب الماضي، وامام شارع تتصاعد اصواته المطالبة “بالاصلاح” وامام “أزمات” اقتصادية لم نستفد لمواجهتها بما يكفي، وامام “تحولات” اقليمية تحتاج الى “جبهة” داخلية موحدة، ومقررات سياسية يشارك فيها الجميع لكي يتحملوا مسؤوليتها ايضا؟.
ها نحن أمام عام ثالث على الاصلاح، ندخل اليه “ببرلمان” لم تتشكل خارطته بعد وبحكومة جديدة لم نتوافق عليها حتى الان، وبحراكات شعبية ومعارضة “تترقب” وتنتظر وترصد ملامح التجربة الجديدة، وباحساس عميق “بالخوف” من المستجدات والمفاجآت، وبمناخات لم تتغير بما يكفي لاقناع الناس باننا “أقلعنا” نحو مرحلة يفترض ان تولد الامل والهمة، وبملف اقتصادي محمل بالمديونية والعجز ومقررات رفع الاسعار.
ألا يحتاج كل ذلك الى “وصفة” توافقية، او الى طاولة حوار، او الى فتح ما يلزم من لواقط على ذبذبات المجتمع، او الى مصارحات حقيقية تنقلنا الى مصالحات جادة تحسم أجوبتها على ما يتردد منذ عامين من اسئلة معلقة واستفهامات حائرة ومن رياح عاصفة، نجحنا - حتى الان - في صدها لكن بقي ان نودع “ارتدادات” زلازلها المتوقعة ونضمن بأنها لن تعود.
الدستور