الإصلاحيون الغائبون!

الإصلاحيون الغائبون!
الرابط المختصر

تقتصر النقاشات والسجالات السياسية في البلاد على الشأن السياسي، وفي أحيان أخرى على الاقتصادي. وتغيب تماماً النقاشات والحوارات والأجندات الإصلاحية في المجالات الأخرى، التي تعاني ترهلات وأزمات لا تقل أهمية، بل هي أكثر خطورة، من المجال السياسي.
من يتصدّر المشهد اليوم هم السياسيون فقط، وتغيب الكتلة المثقفة والتكنوقراطية والمتخصصة في المجالات المختلفة، وكأنّها لاعب ثانوي أو غير موجود، بالرغم من أنّ الموضوعات المطروحة والأزمات المتراكمة تتطلب توسيع الدائرة من النخبة السياسية إلى النخب الأخرى، سواء في الطب والعلوم أو الحقول الأكاديمية والإدارية وخبراء الإنسانيات والفنانين والأدباء وعلماء الشريعة والقانون، وغيرهم من قيادات اجتماعية من المفترض أن يكون لها صوت ودور في ترسيم ملامح المرحلة المقبلة.
الأزمة السياسية ليست كائناً مستقلاً ومنفصلاً، فهي مرتبطة بأزمات أخرى، في الجامعات والإعلام والفنون والتربية والبحث العلمي والحقول العلمية والفنية المختلفة والإدارات المتعددة، وهذه جميعها تتطلب نخباً متنوعة وقادرة على صوغ الخطاب الإصلاحي المتكامل، وعدم الاقتصار على السجالات السياسية المحدودة في قضايا معينة.
لو عدنا إلى أبرز التحديات التي تواجه الأردن اليوم، سنجد -بالإضافة إلى الأزمة السياسية وما ينتج عنها من أزمات مقلقة- أن لدينا ندرة في الموارد الطبيعية وأزمة مياه تهدد مستقبلنا، ولدينا أسئلة حول أسعار الطاقة وكلفتها وبدائلها، ومشكلات في البطالة والفقر والحرمان الاجتماعي، والمديونية والعجز.. الخ.
بصورة أكثر تحديداً ودقّة؛ هل تملك الأحزاب والقوى السياسية الإجابة العلمية المقنعة عن كيفية مواجهة هذه التحديات؟! فالدولة قد بدأت بمشروع الطاقة النووية، ثم تباطأت، وهنالك مؤيديون ومعارضون، وهو مشروع مصيري، فهل لدى الأحزاب خبراء يقدمون تصوراتهم للرأي العام حول ذلك، وهل هنالك سجال حزبي في هذا الموضوع الرئيس على الأجندة الوطنية؟!
وفي البدائل الأخرى، كالصخر الزيتي، وفي موضوع الغاز، والمديونية والعجز، وهنالك مشروع المياه والبدائل والخيارات، ما هي اقتراحات الأحزاب وتصوراتها؟ وكذلك في أزمة التعليم الحكومي وتراجع التعليم الجامعي. بالضرورة، فإنّنا لا نتوقع اليوم إجابات فورية من أحزابنا والقوى المختلفة عن هذه الأسئلة والقضايا الوطنية الملحة، ذلك أنّ العطلة أو البطالة السياسية التي مرت بها أغلب الأحزاب الأردنية، خلال العقود السابقة، تحت وطأة السياسات الرسمية أضعفت قدرتها على التجنيد والإبداع وهمّشتها وهشّمتها.
لكن، اليوم، ونحن نتحدث عن قانون أحزاب وتحريك المياه السياسية الراكدة، فإننا نطالب قادة الأحزاب من جهة، والفئات المثقفة والمتخصصة من جهة أخرى، بردم الفجوة وتطعيم الأحزاب بالطاقات المختلفة، وتوسيع دائرة خطابها وتصوراتها، وإيجاد شبكة من الروابط بين الأحزاب وجمعيات المجتمع المدني (جماعات الضغط) المتخصصة في الموضوعات المختلفة، فضلاً عن استقطاب الطاقات الوطنية في المجالات كافة. عندما نفكّر في تطوير عمل الأحزاب السياسية وإحداث نقلة في الحياة العامة، فإنّ مشاركة نخب الخبراء والمتخصصين والعلماء والفنيين من شتى الميادين ضرورية لرفد خطاب هذه الأحزاب بتصورات محددة وبرامج عملية، لتتمكّن من مخاطبة أكبر قدر من الرأي العام والاشتباك مع التحديات المختلفة التي تؤرق المواطنين وتشكل هاجساً لديهم. الإصلاح الذي نسعى إليه يتطلب إدماجاً سياسياً مختلفاً عن التفكير الرسمي، فلا يقتصر على وضع الصوت في صندوق الانتخاب، بل مشاركة واسعة في الشأن العام والعمل الحزبي والسياسي، وجذب المثقفين والإصلاحيين والأكاديميين المستنكفين إلى المشاركة الفاعلة والحقيقية لإحداث التغيير والفرق المطلوب. ذلك يتطلب، ابتداءً، إعادة هيكلة خطاب الأحزاب وآليات عملها ولغتها مع الشارع والرأي العام، والانطلاق من الواقع الى الأيديولوجيا وليس العكس.

الغد