الأردن وسؤال «ما العمل بعد فشل عملية السلام» ؟!

الأردن وسؤال «ما العمل بعد فشل عملية السلام» ؟!
الرابط المختصر

قد لا يكون الأردن أكثر الأطراف حماساً لعملية السلام ، لكنه بكل تأكيد ، أكثرها تحذيراً من النتائج "الكارثية" المترتبة على فشل هذه العملية وانهيارها ، ومن يتتبع الخطاب الرسمي الأردني على هذا الصعيد ، يلحظ أنه منذ بضع سنوات ، لم يتوقف عن إطلاق التحذير تلو التحذير ، وإعطاء المهلة تلو الأخرى لتدارك الفشل وقطع الطريق على تداعياته الوخيمة.

والحقيقة أن ثمة ما يبرر تماماً ، هذا القلق في الأردن ، فالأردن بعد فلسطين ، هو الأكثر تضرراً من تآكل فرص قيام دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس وعدم حل قضية اللاجئين الفلسطينيين وفقا لقرارات الشرعية الدولية ، والمسألة هنا تتخطى الجغرافية (جزء من الحدود الأردنية لم يُرسّم بعد) والديموغرافية (من هو الأردني ، من هو الفلسطيني) ، إلى مسألة الأمن الكيان والكينونة والكيانية ، السيادة والاستقلال والهوية.

لكننا من أسف ، لا نحلظ انعكاساً مباشراً لهذا القلق وتلكم التحذيرات ، على أجندة العمل الوطني الأردني على اتساعها وتعدد أطرافها ، ولا نرى لها أثراً يذكر في برامج الحكومات المتعاقبة ، ولسنا ، مسكونيين بهاجس الأسئلة عن مرحلة "ما بعد فشل عملية السلام ، وما بعد تعذر قيام الدولة الفلسطينية ، وما بعد سقوط "خط الدفاع الأول" عن الأردن ، وجوداً وكيانا وهوية" كما اعتاد كبار المسؤولين أن يوصّفوا قيام الدولة الفلسطينية العتيدة.

المنطق والمصلحة العليا يقتضيان جميعها ، إدخار كل الجهود والطاقات والموارد للتصدي للتحديات التي تجابه البلاد ، وفقاً لسلم أولوياتها ، حتى إن انعكس ذلك مباشرة على "بنود الموازنة العامة للدولة وتخصيصاتها المالية"...وهذه الأقانيم الثلاثة ، تقتضي كذلك أن تكون الدولة متوفرة على "خطة ب" ، للعودة إليها في حال وصلت "الخطة أ" إلى طريق مسدود...نحن نعرف "الخطة أ" ، ونعرف أنها تتمحور حول دعم عملية السلام بـ"الباع والذراع" ، وهذا ما فعلنا طيلة سنوات وعقود من جدوى ، ولكننا لا نعرف شيئاً بعد عن "الخطة ب" ، بل ولا نعرف إن كانت مثل هذه الخطة موجودة فعلاً أم أن أمر بلورتها وصياغتها ، متروك لقادمات الأيام ، ولمرحلة ما بعد فشل "الخطة أ".

ولكي لا يفهم من كلامنا أن نتوقع من الأردن أن ينتقل من خندق دعم عملية السلام والرهان عليها بكل شيء ، إلى خندق معارضتها أو مقاومتها....لكي لا يفهم من كلامنا أننا ندعو الأردن لنقل بندقيته من كتف إلى كتف ، والانتقال من معسكر إلى آخر ، فإننا نبادر للدعوة إلى وقفة مراجعة ومصارحة ، نجريها مع أنفسنا وفيما بيننا ، في سياق حوار وطني مفتوح ، تشرف الدولة على إطلاق ورعايته ، وصولا لإعداد ملامح استراتيجية المرحلة المقبلة ، بكل ما فيها من تهديدات وتداعيات.

كنا نأمل بالطبع ، أن يكون المجلس النيابي ، هو ساحة الحوار ووعاؤه ورافعته ، ولكننا لكل الأسباب المعروفة ، ندرك كما يدرك الأردنيون جميعاً ، بأن الحوار لا يمكن أن يقفز عن مجلس النواب ويتخطاه ، ولكنه لا يمكن أن يقتصر عليه ، أو يناط به وحده ، لذلك سيبقى الرهان معقوداً على مؤسسات الدولة السيادية ، لإطلاق مثل هذا الحوار ورعايته.

وأحسب أن ثمة عناوين جوهرية يجب أن نتداعى للبحث فيها والتداول بشأنها ، بدءا بالحاجة لتطوير سياسة خارجية أكثر توازنا واتزاناً...أقل تماهيا مع "معسكر الاعتدال" والاستراتيجية الأمريكية ، وأكثر انفتاحاً على مختلف القوى الإقليمية من إيران وتركيا ، إلى حزب الله وحركة حماس مروراً بسوريا وقطر....على أن تشتمل المراجعة على السياسات الاقتصادية والاجتماعية ، وتفعيل أجندة الإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي.

نعم ، الكارثة التي تحدث عنها الملك عبدالله الثاني ، تطل برأسها من ثنايا الفشل المُحتّم لعملية السلام ، وهي كارثة لن تطال الفلسطينيين وحدهم ، بل ستهدد الجوار القريب والبعيد لفلسطين ، والأردن ليس جاراً لفلسطين فحسب ، فهي مقيمة في عقول وضمائر أبنائه وبناته ، ومن حق الأردن علينا ، ومن واجبنا كمواطنيين أردنيين ، أن نُعمل التفكير فيما نحن فاعلون لمواجهة سيناريوهات الفشل والتأزيم ، من واجبنا جميعاً أن نرتقي إلى مستوى التحديات التي تستنبطها المرحلة المقبلة وتنذر بها ، فهل نعمل على درء الكارثة قبل وقوعها.؟؟

الدستور