الأردن.. والدبلوماسية غير المتطلبة

الأردن.. والدبلوماسية غير المتطلبة
الرابط المختصر

ارتباط الأردن الوثيق مع دول الخليج العربية ليس جديدا، فهو ارتباط متعلّق بالهوية السياسية لطبيعة الحكم في الأردن، والتوجهات والأسس التي تقوم عليها السياسة الخارجية الأردنية وارتباطاتها الإقليمية والدولية منذ تأسيس الدولة الأردنية، كما أنه مرتبط بقدَر الجغرافيا والموقع، وعلى رأس ذلك أنّ الأردن يمثّل للسعودية حدودها الشمالية. كما لا يجد المرء صعوبة في الاستنتاج بأنّ الأردن واليمن هما الأكثر قدرة على الانسجام والتعاطي مع المنظومة الاجتماعية والثقافية في دول الخليج لأسباب عديدة. لكن من المهم أنْ ندرك أنّ هذا العامل الأخير ليس سوى عامل ثانوي جدا في تفسير أسباب التأييد القوي الذي أبدته دول مجلس التعاون الخليجي في اجتماعها الأخير في الرياض لانضمام الأردن إلى المنظومة الخليجية، ولو كان العامل الاجتماعي-الثقافي هو المحدد الرئيسي لكان اليمن أولى بالانضمام، ولما كانت المملكة المغربية مرشحة إلى جانب الأردن للدخول إلى عباءة المجلس.

المحدد الرئيسي الذي يقف خلف هذا القرار الخليجي يرتبط أساسا بالأبعاد السياسية والأمنية في المنطقة. وإذا كان من الصعب القول إن الخطوة الخليجية مفاجئة تماما، فإن الذي سرّع باتخاذها أمران: الأمر الأول هو قرار وقناعة خليجية مؤكدة بضرورة تأمين الاستقرار ومنع الاضطراب في الإقليم، وهذه القناعة تشمل مكانياً إلى جانب الأردن البحرين واليمن وسورية وكذلك المغرب، وذلك أنّ في هذه البلدان، إلى حد ما (إلى جانب مصر) مفاتيح التغيير وتبدل المعادلات الأمنية والسياسية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

أما الأمر الثاني، فهو السعي العاجل للتعاطي مع التحديات التي أفرزتها أحداث البحرين وشبكة التجسس الإيرانية في الكويت، حيث وجدت فيها إيران مفتاحا لإحداث تغييرات جذرية في توازنات المنطقة ومعادلاتها. بل إن ثمة حديثاً رسمياً إيرانياً يتبنى قناعة تفيد بأنّ "عدم الاستقرار في السعودية ومصر يعدّ مؤثرا في تغيّر موازين القوى في المنطقة لمصلحة الجمهورية الإسلامية الإيرانية"، كما جاء حرفيا في تقرير صدر مؤخرا عن "مركز دراسات مجلس الشورى" الإيراني.
وموقع الأردن استراتيجي في تأمين الأمن والاستقرار في سورية، وهو كذلك في التعاطي مع أي تداعيات سلبية، لا سمح الله، إذا ما تمّ الانسحاب الأميركي النهائي من العراق في نهاية العام الجاري.

أعتقد أنّ انضمام الأردن إلى مجلس التعاون، مع أنه يحتاج لإنفاذه ترتيبات عديدة تتطلب بعض الوقت، هو مصلحة وطنية أردنية تُعزز مكانة الأردن في الإقليم، وتحفظ مصالح الدولة الأردنية، وتقدّم خيارات طموحة في إنعاش الأوضاع الاقتصادية في المملكة، إذ من شأن الاستثمارات الخليجية وتوسيع الهامش أمام العمالة الأردنية وفرص عملها في دول الخليج أنْ يُعالج مسألة العجز في الموازنة الأردنية، ويخفف الضغوط الاقتصادية والاجتماعية عن الناس.

ولأنّ لغة السياسة هي المصالح، فإنّ منْ شأن تفعيل السياسة الخارجية الأردنية، والتخطيط الاستراتيجي المتأني، وإدارة ملف انضمام الأردن لمجلس التعاون بكفاءة وطنية بعيدة عن لغة العواطف والترحيب "العام" أنْ يحقق للأردنيين أكبر المكاسب الوطنية من هذا الانضمام على المستويين المتوسط والبعيد المدى. إنها فرصة وطنية لتخطي الدبلوماسية الخجولة وغير المتطلبة.

الغد