الأردن بلا "مطبخ" سياسي
المشكلة الآن في الدولة الأردنية ليس في الإصلاح الذي نريد، وآليات بناء الثقة مع الشارع وكل الشعارات الهامة والتي تبدأ ولا تنتهي ولا أحد يستطيع أن يقلل من أهميتها.
المشكلة باعتقادي غياب أو ضعف "المطبخ" السياسي الذي يوجه بوصلة التحركات، ويحدد الأولويات ويبني التوجهات حتى يشعر الناس بأن المركب الأردني يعرف إلى أين يتجه وأين سيرسو؟
وصدق دولة العين عبد الرؤوف الروابدة حين اختصر ما يحدث أمام جلالة الملك بالقول "لقد أضعنا بهجة التعديلات الدستورية بالإصرار على تعديل المادة (23) من قانون هيئة مكافحة الفساد"!
قصة قانون هيئة مكافحة الفساد تصلح نموذجا لضعف المطبخ السياسي والتخبط، ومنذ أشهر قلنا أن لا ضرورة للمواد المقيدة لحرية الإعلام وأنها تسيء لصورة الأردن وأن قانون العقوبات يجرم أفعال القدح والذم والتشهير، ولم يسمعنا أحد، وفي نهاية المطاف تعقل الأعيان ونزعوا فتيل الأزمة، وأكد الملك على ضرورة صيانة حرية الإعلام وفي الوقت ذاته حماية سمعة الناس، ولا أعرف كيف تقيم الحكومة ومجلس النواب ما فعلته وكيف فرضت على المجتمع معركة لا ضرورة ولا أولوية لها؟!
ما حدث مع قانون هيئة مكافحة الفساد، حدث ما هو أسوأ منه في إقالة محافظ البنك المركزي فارس شرف والملك في نيويورك وهناك اجتماع لمجالس محافظي البنك المركزي في العالم دون التيقظ بأن الدول أصبحت قراراتها وما تفعله تحت المجهر ومكشوفة على كل الناس، ولن أخوض في تفاصيل استقالة رئيس المجلس القضائي القاضي راتب الوزني وهو موجود في مهمة رسمية في المغرب دون احترام لمبدأ الفصل بين السلطات ودون التزام في بروتكول التعامل مع رئيس سلطة مستقلة
ويستمر الارتباك في التعامل مع الأحداث دون رؤية إستراتيجية وتتعمق الأزمة في قصة الاعتداء على النائب السابق ليث الشبيلات، فما جرى لا يمكن فهمه أو تبريره أو قبوله، فما يقوله الشبيلات بات معروفا وقاله في تجمعات أكبر بكثير من لقاء ساكب، فلماذا الآن تخرج القضية عن السيطرة.. ومن هو المستفيد ومن هو الخاسر؟!
اختصر الشبيلات ما حدث بالقول " شكرا للأغبياء الذين نقلوا رسالتي للعالم"، فان كان يستمع للشبيلات آلاف فبعد الاعتداء في ساكب سمع بما يريد أن يقوله مئات الآلاف ولا أريد المبالغة بالقول بالملايين ليس بالأردن فحسب بل في العالم!
سؤال: من نصحهم أن يفعلوا ما فعلوه مع الشبيلات.. لماذا لم يردعوا "البلطجية" إن لم يكن هنالك تواطؤا.. وأين ذهبت الحماية الأمنية المرافقة للشبيلات.. من الذي يسيء بشكل متعمد لمسار الإصلاح وللأردن؟!
تختلط الأوراق في الأردن، فيصبح ما هو فرعي له صفة الأولوية وتنزوي القضايا الإستراتيجية على الهامش وفي الظل وهو ما يؤكد غياب "المطبخ" السياسي وتفكك "العقل الجمعي" للدولة، فتسقط الانتخابات البلدية في أول يوم من الاختبار، وتطالب بلديات بالانفصال ويهدد قادة سياسيون وبرلمانيون بالعصيان المدني، وتصبح قصة نجاح دمج البلديات التي تغنينا بها طويلا من الماضي، كل يريد حصته من "الكعكة" حسب مصالحه وهواه، وفي اتجاه آخر تتداعى فضائح إحالة شركات وكبار رجال أعمال على القضاء في قضايا فساد، وعلى وقع هذا الحديث تهوي البورصة وتفقد الأسهم في السوق المالي كثير من قيمتها ولا مستغيث.
ووسط المعمعة تطفو على السطح سريعا قصة مزدوجي الجنسية من الوزراء والأعيان والنواب بعد استقالة طلال أبو غزالة، وتكثر الفتاوى القانونية ولكن لا أحد يطالع القضية من منظار حقوق الإنسان، فهل ما نفعله الآن مع هؤلاء في الأردن تستطيع أن تفعله الدول الأوروبية وأمريكا مع الأردنيين الذين يحملون جنسياتهم.
تتعمق الأزمة في ظروف استثنائية ولا متسع من الوقت للأخطاء والخاسر الأساسي هو النموذج الأردني الإصلاحي، فمتى نصحو من تخبطنا وسباتنا؟!