يبدو “المطبخ” وهو يرسم خريطة المرحلة المقبلة مرتاحا تماما، فقد انتهت الانتخابات البرلمانية بأقل ما يمكن من خسائر، وأصبحنا أمام “تشكيلة” برلمانية يسهل التعامل معها وضبطها في اتجاه التناغم مع حركة الشارع و “وصفة” الاصلاح المعتمدة، وفي سياق “طي الصفحة” بدأت المشاورات لإنتاج حكومة تسجل شهادة ميلادتها باسم “البرلمان”، ولإرضاء ما امكن من النواب بمواقع ومناصب فيما تيسر من شواغر اخرى.
على الطرف الآخر، بدأ حراك الشارع يتراجع نسبيا، وانشغل الناس بمخاضات المرحلة الراهنة، وانتهت حسابات “الإخوان المسلمين” الى ادراك حقيقة “الانسدادات” السياسية المفاجئة التي وجدوها امامهم: فحماس اختارت ان تبحث عن “مصالحها” وبالتالي نأت بنفسها عن التدخل في ملف “الإخوان والدولة”، والإسلاميون في مصر مشغولون بأزمتهم الداخلية، والاوضاع في سوريا تسير باتجاه “صفقات” سياسية غير سارة.. وهم الآن وحيدون لا ظهر لهم سوى “حراك” ما زال يبحث عن نفسه ويحاول ان يستبعد قوته وصوته في الشارع.
إذن، نحن امام مرحلة “مراوحة” قد تستمر حتى نهاية هذا العام، لا أمل بالتغيير ولا في أي اختراقات على صعيد “مشروع” الاصلاح، لقد نجحت الدولة تماما باستيعاب اللحظة الحرجة، وبدأ دعاة “الاصلاح” المتدرج اكثر سعادة بما انجزوه، ومرّت القرارات الاقتصادية الصعبة بأقل الاضرار، وبوسع البرلمان والحكومة التي انتسبت اليه ان يمررا ما يلزم من مقررات صعبة اذا لزم الأمر.
لا اعتقد اننا سنكون امام اية مفاجآت، لا على صعيد خريطة “الوجوه” والمواقع، ولا على صعيد “المستجدات” الاصلاحية، ربما تكون ثمة مفاجآت من نوع اخر، مثلا في موقفنا من الملف السوري، وربما في ملف “التسوية” والقضية الفلسطينية، لكن سيبقى “ايقاع” الداخل كما هو، حراكات متواضعة واحتجاجات مطالبية، وازمات تكبر ثم تنطفئ.. تماما كما حصل في العامين المنصرمين.
هنا يمكن ان نسأل: هل انتهت “الجولة” وانكشف الستار على الخاتمة؟ بالطبع لا، فالعالم العربي يمر الآن بمرحلة إعادة “تشكل”، صحيح ان ملامحها ما زالت غير واضحة، لكنها ستحتاج لسنوات حتى تتبلور أفضل، ونحن - بالتأكيد - لسنا في منأى عن تلك الخرائط، وكان يمكن ان نتعامل معها منذ الآن للخروج “بوصفات” تناسبنا، لكن لم يحصل ذلك، وبالتالي فإن حالة “المراوحة” لن تطول، وسنكون امام “استحقاقات” يتوجب علينا ان ندفعها، واخطر ما فيها انها ستأتي مرة واحدة، ولن يكون امامنا فرصة “لتقسيطها” او تأجيلها.
إذا سألني القارئ العزيز عن “المفتاح” للخروج من حالة “المراهنة” والمراوحة والترقب، سأجيبه أنني أعتقد انه موجود في “جيب” المجتمع، هذا الذي ما زال يعاني من ازمة “فقدان الثقة” بكل شيء، بالحكومات والنواب وبالمعارضة وحراكاتها ايضاً، تلك بصراحة هي مشكلتنا، فقدنا الثقة بأنفسنا وبمن حولنا، وأصبحنا “مشلولين” تماماً عن التفكير، ومحبطين وعازفين عن العمل، ننتظر المعجزة التي لن تأتي، ونمسك بخيوط “الوهم” ونحن نعرف انه “وهم” وننشغل “بضرب” بعضنا ونستلذ “باتهام” أحدنا الآخر واقصاء هذا الظرف لذاك الطرف.
باختصار، الحل بيد “الناس” فهم وحدهم القادرون على تغيير الصورة، أما “النخب” والحراكات ومن شاكلها، فالعوض على الكريم.
الدستور