استحقاق اليوم التالي للانتخابات؟

استحقاق اليوم التالي للانتخابات؟
الرابط المختصر

غداة إطفاء أنوار العرس الانتخابي, يأمل ساسة, حزبيون, ومراقبون في أن يشرع صاحب القرار بمراجعة شاملة للتحديّات السياسية, الاقتصادية, الاجتماعية الضاغطة, تمهيدا لبناء توافق وطني يساهم في تهدئة الجبهة الداخلية المقلقة وخلق هوية وطنية جامعة في دولة المواطنة وحكم القانون.

تلكم مراجعة تأخرت كثيرا, وسط تراكم الشعارات واتساع البون بين القول والفعل. لكنها ضرورية الآن لوضع الدولة على سكّة التحديث المطلوب وتحديد ملامح المرحلة المقبلة المتأرجحة بين استمرار الوضع القائم ونوايا بناء أردن المستقبل كمنظومة سياسية-اقتصادية-اجتماعية- تسير بالتكامل والتوازي. بدون هذه الوقفة ستواصل الحكومات ومراكز القوى شراء الوقت والتكيّف مع ترضيات داخلية وسيناريوهات إقليمية عبر تبديل الوجوه بعيدا عن تحديث السياسات وتطوير أدوات ممارسة السلطة.

ما أحوجنا إلى مراجعة حقيقية تساهم في تخفيف حدة اللامبالاة المسيطرة على الغالبية الصامتة, وترخي خيوط الشد الدائر بين أقلية محظوظة تستمتع بمذاق الكعكة ومنافعها وغالبية مهمشة تحاول التقاط الفتات; معادلة باتت تنعكس على مزاج المكونين الرئيسين للمجتمع الأردني مع اتساع فجوة الثقة.

فالمطلوب سلسلة خطوات جريئة بحسب ساسة وحزبيين, تبدأ بتشكيل حكومة وطنية جديدة يكون عدم التأزيم شعارها الأول. لم تتضح بعد شخصية رئيس الوزراء القادم. لكن الولاية الدستورية لحكومة سمير الرفاعي تنتهي بانتخاب مجلس جديد يوم 9 تشرين الثاني (نوفمبر). حظوظ بقاء الرفاعي لخوض معركة كسب ثقة المجلس النيابي بناء على كتاب تكليف جديد تقف عند 50%, بحسب مقربين من دوائر صنع القرار.

لكن على الحكومة القادمة, التاسعة في عهد الملك عبد الله الثاني, عبء ترميم الجبهة الداخلية المقسومة أفقيا وعموديا من خلال إطلاق عملية إصلاح شامل توافقي مستدام, يمس تحديدا الشقيّن السياسي والإداري. فغالبية الإصلاحات السابقة ابتعدت عن تطوير نهج الإدارة وشؤون الحكم وركزت على البعد الاقتصادي, لكنها لم تؤسس لإصلاح سياسي معقول كفيل بمكافحة الفساد, الترهل, والبيروقراطية القاتلة.

ينتظر الأردنيون الآن قرارا على مستوى القيادة, بما يعكس إرادة حقيقية للسير في إصلاحات سياسية عميقة, دون خوف أو تردد, تساهم في توسيع قاعدة المشاركة الشعبية عبر بوابة المجلس الجديد, وتعزز مفاهيم الولاء والانتماء على قاعدة المساواة في الحقوق والواجبات بين كل مواطن يحمل رقما وطنيا, بعد سن قانون ينظّم عملية تصويب الجنسية المزاجي لتتماشى مع قرار فك الارتباط لعام .1987

لم يبق هناك أي داع للخوف من وجود مؤسسات قوية, ومن تعزيز استقلال السلطات التنفيذية, التشريعية والقضائية بوجود إعلام حر ومتزن يعكس الرأي والرأي الآخر ولا يخشى من تسليط الضوء على النواقص بهدف الإصلاح وتعميم الايجابيات لشحذ الهمم.

تلك الحزمة ستساهم في تعبئة الفراغ وتعميق حياة سياسية حقيقية لا تشكل عبئا على الملك عبد الله الثاني بل تعينه على التعامل مع التحديات الإستراتيجية بدلا من إهدار الوقت في إدارة التفاصيل اليومية.

الشعارات المستهلكة القديمة/ الجديدة التي رفعت في الانتخابات التشريعية لبيع الأحلام والضحك على العقول, معطوفا على ذلك استمرار صفقات شراء الأصوات على يد طامحين يستغلون مالهم لتعزيز حضورهم في عالم السياسة, أظهرت أن أسس إدارة العمل السياسي لم تعد تنفع لمواجهة تحديات القرن الواحد والعشرين. فغالبية النواب القادمين لن يكونوا مشاريع لنواب وطن يحملون الهم العام, وإنما ممثلو إجماع عشائر, عائلات متنفذّة, ووجهاء تجمعات مناطقيةٍ.

لذلك فإن استمرار العملية الانتخابية على منوال قانون الصوت الواحد بتعديلاته المختلفة منذ إقراره عام ,1993 لا يصب في مصلحة النظام واستقرار الأردن. القانون المؤقت الذي استهدف تحجيم التيار الإسلامي واسع النفوذ المعارض لمعاهدة السلام الأردنية-الإسرائيلية (1994) لمصلحة تعظيم نفوذ العائلة والهويات الفرعية, يظل حجر عثرة أمام التنمية السياسية الشاملة. فهو لا يشجع على تأسيس تيارات, كتلا وأحزابا ذات برامج وطنية واضحة تتبعها آلية تشكيل حكومات تعتمد على هذه القوى الفاعلة برلمانيا وتحاسب أمام الأقلية المعارضة. غالبية الأردنيين ما تزال تخشى الانضمام لأحزاب معظمها أضحى هياكل عظمية قائمة على أشخاص لم يفلحوا في تطوير خطاب إصلاحي بديل عن حزب الدولة وتيار الإسلاميين.

المطلوب الآن عدم ركن قانون الانتخاب المؤقت, الذي وعدت الحكومة بإرساله إلى المجلس في جلساته الأولى, على الرف, كما حصل مع سابقيه. فالإصلاح السياسي يبدأ بسن قانون انتخاب توافقي على أسس مختلطة تضمن ولادة مجلس قوي يطلع بدور سياسي, تشريعي ورقابي بدلا من تمثيل مصالح فئوية ضيقة وتوزيع مكاسب وخدمات. بات من الضرورة أيضا إعادة النظر في أسس انتقاء الشخصيات الرئيسية في العمل العام ضمن مواصفات رجال دولة ينالون ثقة شعبية لما يمثلونه من خبرة سياسية وفنية ولعلاقاتهم الإيجابية بالمجتمع بدلا من استمرار اختيار الوزراء بناء على معادلة التوزيعات الديمغرافية والكيمياء الشخصية.

فالأردن يحتاج لرجال دولة قادرين على تنفيس الاحتقان ومنح الحاكم وسائر مكونات المجتمع التقاط الأنفاس وتقييم تجربة السنوات الماضية بحلوها ومرها وصولا إلى تصويب الإختلالات بدلا من استمرار الاختباء وراء الملك والتأثير على رصيده. رجال ونساء يتكئون إلى قاعدة فكرية عصرية ووطنية, مدعومين برجال صف ثاني من التكنوقراط, لا تقوم حصرا على أفكار رجال أعمال يديرون الأوطان كالشركات بحساب الربح والخسارة ويسعون لتعيين حلفاء في كل مركز قيادي لتحصين المكاسب. نحتاج أيضا تناغما حقيقيا ممأسسا بين المفاصل القيادية - الحكومة, الديوان, دائرة المخابرات العامة ورئاستي الأعيان والنواب - لخلق مطبخ سياسي يعمل بكفاءة تحت مظلة الملك عبد الله الثاني. مطبخ يملؤه طهاة متناغمون بدون تنافس يجرّهم لخدمة مصالح ضيقة وأجندات شخصية. طهاة لا يهرولون لوضع العصي في دواليب الآخرين من باب المناكفة أو السخرية من الطرف المقابل على حساب الوطن ومصالحه. كل منهم يعمل في نطاق دوره وتخصصه, بدءا بإعداد لائحة المأكولات, تجهيز مكوناتها وعناصرها ثم طهيها وتقديمها.

فمن يرد العيش في دولة مؤسسات يعمل على تعزيز السلطات بدلا من تقوية قوى جانبية خارج هذه الأطر.

غداة الانتخابات يحتاج الأردن لإعادة تشكيل مجلس أعيان يكون دوره مكملا لدور مجلس النواب وليس مجلسا يضم جماعة فلان وعلاّن.

وقبل ذلك, المطلوب من أعضاء مجلس النواب اختيار رئيس بعيدا عن التدخل الرسمي والتأثير المبرمج لوضع شخصية ما يقال إنه طلب منها الاستقالة من مجلس الأعيان والترشح للانتخابات, بهدف إيصالها لسدة الرئاسة كشخصية مستقلة تعمل لاحقا على تجميع كتلة برلمانية مؤثرة لضمان التزام المجلس الجديد بقواعد لعبة السلطات. في الوقت ذاته, وصلت مؤشرات إلى عين آخر بأن لا يقدم استقالته لقطع الطريق أمام عودته إلى واجهة المجلس الذي أداره لدورتين متتاليتين, بعد أن خاض الانتخابات الأخيرة على رأس كتلة حزبية قبل أن تساعده جهات متنفذة على توسيع مظلة أعضائها بهدف التحكم بمزاج المجلس.

في الحياة البرلمانية العادية تفرض الكتلة الأكبر رئيسها كأمر واقع من خلال تسمية مرشحها الرئاسي, ثم يتم الاتفاق على توزيع مقاعد نواب الرئيس ورؤساء اللجان النيابية ضمن صفقات لإدارة شؤون المجلس. فهل سيقبل اللاعبون الأساسيون من نواب الثقل وزعماء الكتل الفائزة بأن يفرض عليهم رئيس من الخارج? الأفضل أن لا يبدأ المجلس الجديد بدق مسمار نعشه الأول قبل أول جلسة للمجلس القادم, حيث تفقد البوصلة ليخوض نواب مناكفات متعددة الاتجاهات مع رئيس المجلس ورئيس الوزراء أيا كان. ومرة أخرى ستدفع البلاد والعباد الثمن.

span style=color: #ff0000;العرب اليوم/span