إلغاء التعددية بدلاً من تشجيعها!

إلغاء التعددية بدلاً من تشجيعها!
الرابط المختصر

 

صعقنا مجدداً بخبر انتقال مواطنين يمنيين من الجالية اليهودية إلى دولة الاحتلال يوم الإثنين الماضي. عدد الذين تم نقلهم 19 فرداً، في عملية للوكالة اليهودية قيل إنها تضمّنت مشاركة أربع دول، ومساهمة قد تكون محدودة لوزارة الخارجية الأميركية، لكن رمزية الموضوع هو ما يهمنا.

 

رغم معرفتنا بعنصرية دولة "إسرائيل"، التي تستمر في سياسة الاحتلال والاستيطان والتمييز القومي والعرقي، إلا أن المشكلة الأكبر والأهم لنا هو موقفنا السلبي من التعددية، وماذا علينا أن نعمل ليس فقط لإنهائه، بل العمل على توسيع هامش التعددية في بلادنا العربية، التي كانت تفتخر بتنوع الدين والعرق والهويات الفرعية، كلها تحت هوية قومية أساسية، فالعصر الذهبي الأندلسي نجح لدرجة كبيرة بالذات بسبب التعددية والتنوع بما في ذلك المكوّنات العربية غير المسلمة.

 

أسباب إلغاء التعددية كما هجرة العقول من بلادنا كثيرة ومتعددة، ففي أوضاع حياتية صعبة من المفهوم رغبة المواطن -أي مواطن- بالهجرة. وزد على ذلك وضعاً اقتصادياً متردياً وحرباً أهلية عنيفة وغير منطقية وبذلك تكتمل عناصر المشكلة بحق الوطن.  طبعاً تملك أحياناً بعض المجموعات الصغيرة فرصاً أكبر للهجرة من غالبية المواطنين ولذلك نرى نسبة أكبر مثلاً من المسيحيين وغيرهم بتنفيذ رغبات موجودة عند كل مواطن في السعي وراء مستقبل مشرق له ولعائلته.

 

إضافة إلى العناصر الأمنية والاقتصادية التي قد تسرّع عمليات الهجرة هناك أخطاء وخطايا لا يمكن التهرّب منها. فرغم تنويهنا، مثلاً، بأهمية العلاقة مع أهل الكتاب إلا أننا نسمع في خطب الجوامع كثيراً من المفردات والعبارات الجارحة ضد العديد من أبناء الوطن الواحد من دون اهتمام للأثر السلبي والمتراكم الذي تحدثه تلك اللغة القاسية.

 

الموضوع اليمني اليوم، كما هو الوضع العراقي والسوري والمصري، يوفر أرضية مشجّعة للهجرة ويقلّص من التنوع والتعددية التي هي الرائحة الجميلة لأي مجتمع يبحث عن الحداثة والتقدّم والرقي. في أحد مؤتمرات القمة العربية قبل سنوات عديدة، عبّر الرئيس الليبي معمّر القذافي عن اقتراح بضرورة نقل المسيحيين العرب إلى أوروبا فرد عليه الرئيس العراقي صدام حسين قائلاً جملة يرددها إلى الآن العديد من العرب المسيحيين "إن الأمة العربية حديقة جميلة والمسيحيون العرب أجمل ورودها".

 

كلمات صدام والتغنّي بالأندلسيات لا يكفيان لوقف استمرار هذه الظاهرة الخطيرة. فالعروبة سبقت المسيحية والإسلام ومن الضروري لإنجاح أي مشروع قومي أن تسود الهوية المركزية على أية هويات فرعية، ومن الضروري ألا تختفي تلك الهويات الفرعية. فخسارة العراق من مسيحيّيها أو اليمن من يهوديّيها خسارة أكبر بكثير من مجرد هجرة عدد محدد من السكان في فترة ما.

 

إن المؤسسات والمنظمات الدولية تعمل جاهدة للحفاظ على التراث العالمي المشكّل في العديد من الأحيان من حجارة قديمة في أماكن محددة. وتتطلب عملية الحفاظ على تراثنا العربي الغني بالثقافة والتنوّع والتعددية جهداً مضاعفاً لصون الحجارة الحيّة المشكّلة من مواطنين ومواطنات يحملون معهم الإرث المتوارَث عبر قرون، ويشكلون شاهداً أساسياً تنويرياً على تعدد حضارتنا. على الجميع أن يعملوا وبكل الأشكال على وقف الدمار الذي يضر أبناء مجتمعاتنا كافةً، وفي الوقت نفسه على وقف عمليات التهجير القصرية لمكوّنات كانت ولا تزال موجودة، ويجب أن تبقى عنصراً فريداً وجميلاً من ثقافتنا وحضارتنا وهويتنا.

 

داود كتّاب: مدير عام شبكة الإعلام المجتمعي. أسس العديد من المحطات التلفزيونية والإذاعية في فلسطين والأردن والعالم العربي.

أضف تعليقك