إعادة تسمية الضريبة
في الثاني من تموز ـ يوليو الجاري ، أكد وزير المالية الدكتور محمد أبو حمور أنه لن يتم فرض أي ضرائب جديدة حتى نهاية السنة المالية 2010 ، مبيناً ، وفقا ما نُشر في الصحف ، أن المؤشرات المالية خلال الشهور الخمسة الأولى أظهرت تحسنا مقارنة بالفترة ذاتها من العام ,2009
اليوم ، وقبل أن يجف الحبر الذي كتبت فيه تلك التصريحات ، طالعتنا الصحف ذاتها ، بقرار حكومي جديد يقضي باستيفاء "بدل خدمات" على المعابر البرية والبحرية ، بواقع ثمانية دنانير على كل أردني مغادر وخمسة دنانير على كل سيارة ، تماماً مثلما كان عليه زمن "ضريبة المغادرة" ، التي ألغيت من قبل ثنائياً بالتنسيق مع الإخوة في سوريا ، وتكرس إلغاؤها بالاتفاق الرباعي الذي انضمت إليه تركيا ولبنان.
ولكي لا يحنث الوزير (تُقرأ الحكومة) بوعده ، فقد جرى تغيير "الاسم وبقي المسمى" ، لن تُكتب في الإيصال الذي سنتلقاه على الحدود عبارة "ضريبة مغادرة" ، بل "بدل خدمات" ، تحصّلها الجمارك عوضا عن دائرة الضريبة ، من ذات الجيوب لتصب في الصندوق عينه.
ما الذي سيهم المواطن إن تبدلت المسميات واستمر "الدفع" على حاله؟... هل يهم المواطن ماذا يكتب في الإيصال: "بدل خدمات" أم "ضريبة مغادرة؟... أليست الضرائب ، كل الضرائب ، "بدل خدمات"؟... النتيجة واحدة ، كلفة السفر إلى دمشق سترتفع بـ(ثمانية دنانير زائد خمسة) ، أياً كانت الأسماء والمسميات.
وللتخفيف من حدة "الصدمة" ، طالعتنا الأنباء بوعود عن تحسين مستوى ونوعية الخدمات التي سيتلقاها القادمون والمغادرون على المعابر ، وهي من صنف الوعود التي تؤخذ بتحفظ عادة ، فهذا المال الذي سيجبى سيذهب إلى الخزينة حيث تنتظره أولويات أخرى أهم من "بناء القاعات المكيّفة" للمغادرين والقادمين. والخلاصة أن المواطن سيدفع فورا ومن دون إبطاء ، ضريبة إضافية ، صريحة في الشكل والمضمون ، أما الخدمات الإضافية ففي علم الغيب.
نحمد الله أن الحكومة استثنت المسافرين العرب من هذه الضريبة ، وأقول ضريبة لأنها كذلك حتى وإن جرى تمويهها بعناية فائقة ، فهي لو فعلت وعممت الجباية على الأشقاء من سوريين ولبنانيين ، لأقدمت حكومتا هاتين الدولتين على استلال "مبدأ المعاملة بالمثل" من الأدراج ، ولصار يتعين علينا أن ندفع ضريبة مغادرة ودخول (مزدوجة) تماماً مثلما كنا نفعل قبل "التطور الملموس في العلاقات الأخوية بين البلدين والشعبين والشقيقين" ، تلك العبارة التي تتوج عادة البيانات الصادرة عن اللجان العليا المشتركة الثنائية.
لكننا مع ذلك لسنا متأكدين بأن قادمات الأيام لن تحمل معها "تمديدا" للقرار المذكور وتعميماً لـ"ولايته" على القادمين والمغادرين من الجنسيات جميعها ، فنعود لدفع الثمن مضاعفاً ، ألم يُقل لنا قبل أيام فقط ، بأن لا ضرائب إضافية قبل نهاية العام؟،.
قد يقول قائل بأن فرض ضريبة على المغادرين ، شأنه شأن الضريبة على "البنزين "95 أو "القهوة والسجائر والمشروبات الكحولية" ، لن يمس الشرائح العريضة من ذوي الدخل المحدود ، وأن الذين يسافرون إلى سوريا ولبنان هم من الفئات الميسورة القادرة على الدفع نظير حصولها على هذه "الكماليات" ، وقد يقال أيضا أن الإقدام على فرض هذه الضريبة أو إعادة العمل بها بالأحرى ، إنما هو أهون الشرور ، فأيهما أفضل أن نفعل ذلك أم نرفع الدعم عن "أسطوانة" غاز الطبخ؟ والحقيقة أن التدقيق في طبيعة وتركيبة "السياحة الأردنية" إلى سوريا ولبنان ، وبالأخص سوريا ، يدحذ هذه التقوّلات ، فـ"السائحون الأردنيون الجدد" ليسوا من المنتمين إلى شرائح الدخل المرتفع ، وهم في معظمهم من فئات وشرائح شعبية بامتياز ، عشرات ومئات وألوف العائلات ، تذهب فجراً في حافلات نقل جماعية عامة أو خاصة ، وتعود في ساعة متأخرة من الليل ، تروّح عن نفسها وتشتري بعض مستلزماتها ، مستفيدة من فوارق الأسعار أحيانا ، وبغرض "فش الخلق" أحياناً أخرى ، خصوصا بعد أن أوصدت أبواب السياحة الداخلية باهظة الكلفة في وجه هذه الفئات والشرائح العريضة.
اتركوا هؤلاء ينفسوا عن مشاكلهم ، ويروّحوا عن أنفسهم ، اتركوهم يحصلوا على ساعات فقط خارج مناخات الضائقة والاحتقان ، اتركوهم يتمتعوا بـ"وهم" السياحة والاصطياف ، بعد أن أصبحت السياحة الداخلية حكرا على "الشرائح العليا" من البرجوازية والطبقة الوسطى ، اتركوهم لشأنهم فالمسألة لا تحسب "بكم مليون دينار إضافي جباية" ، المسألة يجب أن ينظر لها من منظور سياسي واجتماعي وسيكولوجي أعمق وأخطر.
أحد الظرفاء اقترح استبدال "خدمة المعابر" بتكثيف الدوريات المرورية على طريق المفرق - جابر ، لافتا إلى أن الحصيلة الجبائية ستكون مضاعفة ، فيما إحساس المواطن بحرية السفر ومتعته ، وممارسته لحقه في التنقل سيكون أفضل ، هل نأخذ بهذه النصيحة أم أنها جاءت متأخرة ، أم لا بأس من الجمع بين الأمرين معاً ؟... أسئلة برسم قادمات الأيام والضرائب.