إطلاق سراح السلفيين الجهاديين

إطلاق سراح السلفيين الجهاديين
الرابط المختصر

إطلاق سراح عدد من أنصار التيار السلفي الجهادي في الأردن، ينبغي أن يكون خطوة أساسية في مسار أكثر شمولية نحو توسيع المقاربات والحلول السياسية، وتضييق دائرة الحلول الأمنية.

وبرغم الفوضى والضبابية والتحولات المفاجئة والسريعة في المنطقة، فإن الثابت فيها أن الحلول الأمنية تكتسب، يوما بعد آخر، مزيدا من الفشل والخسارات، ولا بديل عن الحوار بين الشعوب والحكومات، وإجراء الإصلاحات التي تضمن استقرارا ديمقراطيا.

وإذا كانت الثورات العربية قد أقنعت التيارات السلفية الجهادية -أو أجزاء مهمة فيها- بأن العمل السياسي السلمي ربما يكون أجدى من العمل المسلح ودعاوى التكفير، فإن هذا تحوّل نوعي، ينبغي تشجيعه واختباره وتوفير الظروف لنجاحه، وبشكل يتيح الحديث عن ملفات وقضايا سياسية من جهة، وملفات وقضايا جنائية من ناحية أخرى، بما يغيّب بالتالي إلى حد كبير مسألة الملفات الأمنية وحلولها المتعثرة؛ إذ إن التعبير عن الرأي والفكر بشكل سلمي ينبغي أن يكون حقا يكفله القانون، وفي حال استخدام العنف أو القوة في التعبير عن ذلك، نكون أمام انتهاك للقانون يستوجب، بلا لبس، العقوبة ودفع الثمن، ووفق القانون.

الأمن الوطني والحريات ليسا نقيضين، والتطرف الفكري على سوئه ومصائبه لا يُخرج صاحبه من دائرة المواطنة وحقوقها.

والتكييف الأيديولوجي الذي طرأ جزئيا على الحركة السلفية ومن ضمنها الجهادية، ينبغي ألا يكون مصدر قلق، بقدر ما يستوجب توسيع دوائر المشاركة السياسية الحرة، وذلك لأن التسييس العقلاني المدروس والمتحرر من مقاربة جميع القضايا أمنيا، من شأنه تفكيك الأدلجة المتطرفة عبر تحريرها من العنف المادي واللفظي والإرهاب الفكري، من خلال نزع صفة الضحية عنها بإتاحة المجال أمامها للمشاركة السياسية، وإسقاطها أمام الناس إنْ تراجعت عن رفضها للعنف ضد السلطة أو المجتمع.

منذ سنوات، لم يعدم سلفيو مصر ودول شمال أفريقيا تأثرا بسلفيي منطقة الخليج العربية، خاصة لجهة انخراط الأخيرين منذ عقود، خاصة في الكويت والبحرين، في العمل السياسي.

وقبل ثورات ما يسمى بـ"الربيع العربي"، كان شائعا في المشرق العربي التمييز بين "الإخوان المسلمين" والحركيين الإسلاميين من جهة وبين السلفيين (غير الجهاديين)، بتعاطي الإخوان للسياسة وانخراطهم في الشأن العام على خلاف السلفيين الذين انصبّ تركيزهم على تصحيح العقيدة وخدمة الحديث النبوي والتأسي بالسلف وعلومهم.

هذا التمييز لم يعد ذا فائدة بعد دخول السلفيين، بدرجة أو بأخرى، ميدان العمل السياسي مع الثورات العربية، بل تشهد ليبيا والأردن على انخراط ما للسلفية الجهادية في العمل السياسي ومسائله، بآليات ومفردات ووسائل غير لغة التكفير والعنف وسوى ذلك؛ فثمة مظاهرات واعتصامات ووقفات احتجاجية للسلفية الجهادية في الأردن تؤكد مثل هذه التحولات والانزياحات المهمة، التي من شأنها تدوير الاهتمام بالسلفية الجهادية عبر عدم مقاربتها كملف أمني فقط.

في الحقيقة، هذه التحولات في الحقل السلفيّ تفرض على "الإخوان"، بنسخهم المختلفة في البلدان العربية، جهدا أكبر في تمييز هويتهم وأفكارهم وسياساتهم، وإلا فإن الحديث عن "سلفنة" الإخوان سيكتسب مزيدا من النقاط، ودائرة الوسط التي يضعهم كثيرون فيها ستنحاز أكثر نحو اليمين.

وهذا "التمييز" لا يستوي بدون معايير، وإلا سيبقى حديثا إنشائيا وفضفاضا، غير مفيد عند الفحص والاختبار والمساءلة.

إنّ تفكيك التشدد ومنع الأوكسجين عن حواضنه الاجتماعية لا يكون بالحلول الأمنية، بل بتوسيع هوامش الحلول السياسية وفتح مزيد من نوافذ الحوار والمشاركة الشعبية في صناعة القرار

الغد