إستراتجية الردع الإسرائيلي: سياسة فاشلة

إستراتجية الردع الإسرائيلي: سياسة فاشلة
الرابط المختصر

أحد أكثر الأسئلة التي يطرحها الكثيرون حول العالم وبشكل متكرر بعد الهجوم على أسطول الحرية والذي كان متجهاً نحو غزة هو، لماذا فعلت إسرائيل ما فعلت؟ لماذا قام الجيش والبحرية الأقوياء جداً بتنفيذ غارة من الكوماندوز انتهت بوفاة تسعة من الناشطين الدوليين ومنهم مواطن أميركي، بينما كان من الممكن أن يسيطروا بسهولة على السفينة في عرض البحر.

الرواية الرسمية الإسرائيلية كانت في غاية من البساطة، حيث قالت إسرائيل إن هدف الأسطول لم يكن جهدا إنسانياً بل هو جهد لكسر الحصار قام به متشددون إسلاميون معادون للسامية كادوا أن يقتلوا الإسرائيليين الذين صعدوا إلى السفينة بطريقة بريئة بهدف توجيهها إلى ميناء إسرائيلي، وقليلون هم الذين صدقوا هذا الادعاء باستثناء الإسرائيليين وبعض اليهود الأميركيين، ومحاولة إدانة المجني عليه تذكر بموقف رئيسة وزراء إسرائيل عندما غضبت من الفلسطينيين لأنهم "أجبروا جنودها ذات الأخلاق الحميدة على قتل أطفال الفلسطينيين."

وبصرف النظر عن الادعاء الإسرائيلي، فإن الهجوم العنيف ضد أسطول الحرية لكسر الحصار، له غرض واحد من وجهه نظر إسرائيل: وهو الردع، وتشير تقارير التشريح الأولية التي نشرت في صحيفة "الغارديان" البريطانية اليومية أنه قد تم استخدام 30 رصاصة لقتل تسعة من المحتجين، وكثيراً من هذه الرصاصات أصابت الرأس وعلى مسافة قريبة، مما يشير إلى أن الهجوم لم يكن دفاعاً عن النفس بل هو قرار متعمد لإرسال رسالة قوية إلى كل من يفكر في دعم الشعب المحاصر في غزة، ومن هنا يأتي "الردع الاستراتيجي".

تعرف القواميس العسكرية الردع الاستراتيجي - بأنه منع للهجوم من خلال الخوف من العقاب بقوة عسكرية متفوقة، وكان هذا ولازال جزءا من الإستراتيجية العسكرية الإسرائيلية بشكل عام، وخاصة عندما يتعلق الأمر بغزة، فقبل عامين، أقامت إسرائيل حربا ضد شعب غزة من أجل رفع مستوى الردع، ولم ينتج عن التصعيد بالعنف إلا الفشل، بل بات واضحا للعيان إن تلك الإستراتجية تعارض بقسوة الالتزام بالمعايير الجوهرية للأخلاق الحرب والقانون الدولي الإنساني.

إن الهجمة العنيفة ضد نشطاء التضامن الدولي، في المياه الدولية، تنبع من هذه السياسة الإسرائيلية العمياء والتي تهدف إلى ردع الفلسطينيين ومؤيديهم عن المطالبة بوضع حد للحصار غير المشروع على مليون ونصف مواطن فلسطيني يعيشون في قطاع غزة، وما تأمل إسرائيل في تحقيقه هو وضع حد لبعثات التضامن الدولي. ومع ذلك، وفي حين أن هذه السياسة قد تأتي بنتائج مؤقتة، إلا أنها من المرجح ألا توقف مثل هذه الحملات الدولية، وفي الواقع، فإن السيناريو الأكثر ترجيحاً هو أن هذه الجهود لخرق الحصار ستستمر وقد تزداد، ومن الآن فصاعداً، سيستمر الناشطون في محاولاتهم لفك الحصار رغم أنهم يعلمون جيداً أن حياتهم قد تكون في خطر حقيقي. ولكن، ما أن تواصل السفن في الإبحار إلى غزة، فإنه سيتم محو أثر الجولة الدموية الحالية وتفقد استراتجية الردع بمستواها الحالي من الفائدة. ولذلك سيقوم الإسرائيليون بعد ذلك بتنفيذ هجوم أكثر دموية من أجل رفع مستوى الردع.

إن ما يجعل "الردع الإستراتيجي" الإسرائيلي غير قابل للتطبيق هو أنه لا يأتي كجزء من خطة شاملة ذات عناصر متكاملة منها العنصر السياسي، فرفض الإسرائيليين التعامل سياسياً مع سكان قطاع غزة (مع الحفاظ على حصار محكم ضدهم)، هو محاولة للبحث عن حل عسكري لما هو في الغالب صراع سياسي.

بعد وقت قصير من إعادة نشر جنودها على حدود غزة قيّدت إسرائيل التواصل بين غزة والضفة الغربية، وكذلك قيّدت حركة البضائع من وإلى غزة، وعندما تم انتخاب مجلس تشريعي مؤيد لحماس في انتخابات حرة ونزيهة في شهر كانون الثاني عام 2006، قادت الولايات المتحدة وإسرائيل حملة لمنع جميع المصارف، بما في ذلك البنوك العربية والإسلامية، من التعامل مع الحكومة الجديدة.

لقد رفضت إسرائيل دائماً عروض حماس المتكررة لاتفاق وقف إطلاق النار مقابل رفع الحصار عن غزة، وشمل أحدث عرض قدمته حركة حماس يوم 15 أيار قبولها بحدود عام 1967 مقابل هدنة مدتها عشر سنوات. وقال المسؤول البارز في حركة حماس، خليل الحية، خلال مؤتمر حماس بمناسبة النكبة في حي الشجاعية في مدينة غزة إن الاقتراح الذي تقدمت به حماس سوف يرى قيام دولة فلسطينية "على مراحل" على الخط الأخضر، وفق حدود هدنة عام 1967، مع القدس الشرقية عاصمة لها، و"عودة جميع اللاجئين من دون الاعتراف بإسرائيل مقابل هدنة مدتها عشر سنوات".

بعض إستراتيجيي الأمن ومنظّري الحرب يقولون إنه لا يجب أن يكون هناك اعتراض أخلاقي على سياسة الردع متى كانت حياة ومصلحة السكان المدنيين لا يمسها ضرر مباشر، ويبقى التهديد بالانتقام الذي تقوم عليه الفعالية الإستراتيجية ضمنية وفرضية، ومع ذلك، عندما لا يتم تمييز الردع عن القرصنة الدولية والعقاب الجماعي، فإنه يصبح أبعد ما يكون من تحقيق النتائج المرجوة منه.

بعض الأصوات الإسرائيلية، بما فيها بعض المسؤولين ذات الخلفية الأمنية يطالبون بفتح حوار مع حماس للوصول إلى نوع من التفاهم بدلا من استمرار حصار نتائجه عكسية.

في غياب مثل هذا التفاهم، فإن النتيجة ما هي إلا حالة واضحة من العقاب الجماعي في قطاع غزة المكتظ بالسكان من دون أي حل سياسي أو حتى حل إنساني مقبول.

تخلط إسرائيل باستمرار بين الدفاع عن النفس والردع بينما توظف العقاب الجماعي سعياً إلى تحقيق غاياتها الإستراتيجية. لقد فشل مفهوم الردع في لبنان في عام 2006 بقبول الإسرائيليين اتفاق وقف إطلاق النار برعاية الأمم المتحدة، ومن المرجح أنه لن ينجح في غزة. والواقع أن استطلاعات الرأي التي أجريت في غزة تظهر ارتفاعا في تقديم الدعم لحماس بعد كل تصعيد من جانب إسرائيل.

يجب على المجتمع الدولي أن يتصرف بسرعة لإجبار إسرائيل على التخلي عن إستراتيجية الردع الفاشلة هذه والعمل بدلا من ذلك على التوصل إلى تفاهم من الممكن أن يؤدي إلى وقف الهجمات من كلي الجانبين. إن فهما مثل هذا شأنه فقط أن يسمح بالبدء بوضع الأسس اللازمة للتوصل إلى حل سياسي دائم يمكنه إنهاء كل من حصار غزة واحتلال الأراضي الفلسطينية.