إخوان "ما بعد مرسي"

إخوان "ما بعد مرسي"
الرابط المختصر

من السذاجة والسطحية أن نُصدر أحكاماً قطعية اليوم بنهاية جماعة الإخوان المسلمين، حتى في مصر وحدها؛ فما تزال الجماعة، مع تيارات الإسلام السياسي، تملك رصيداً كبيراً في الشارع المصري، لكنها بلا شك أمام مفترق طرق تاريخي!

الصورة التي سيتعامل بها الجيش، ومعه القوى السياسية المعارضة للإخوان، ستؤثر بدرجة كبيرة في تقرير خيارات الجماعة وتوجهاتها للمرحلة المقبلة. كل ذلك سيكون عاملاً حاسماً في تحديد وجهة الجماعة المقبلة، وربما معها حركات إسلامية أكثر تشدّداً!

حجم التعبئة والتحشيد لدى الجماعة وأنصارها خلال الأسابيع الأخيرة كان كبيراً، وصبغ المعركة بالروح الدينية؛ وتوصيف ما حدث باعتباره انقلاباً على الشرعية ومؤامرة دولية، كلّ ذلك سيؤثّر كثيراً على ردود فعل الإخوان على هذه الصدمة القاسية التي تعرضوا لها خلال الفترة الأخيرة!

ثمة اتجاهان رئيسان سيحكمان مسار الجماعة. الأول، هو الأقرب إلى الجزائري، بعد الإطاحة بجبهة الإنقاذ الإسلامية بداية تسعينيات القرن الماضي، وحظر الجبهة، ما أدّى إلى اتجاه أعداد كبيرة من أنصار الحركة إلى العمل تحت الأرض، ورفع السلاح في وجه السلطات. ودخلت الجزائر بعد ذلك دوامة من العنف الكبير، مهّدت للمؤسسة العسكرية السيطرة على الأمر إلى اليوم.

الواقع، بالضرورة، يختلف من زاوية اللحظة التاريخية وحيثيات كل حالة. ففي مصر، ثمة انقسام واستقطاب شعبي واجتماعي شديد، هو الذي مهّد للجيش. لكنّ الحركة الجماهيرية نفسها ستكون في مواجهة العسكر في حال أرادوا البقاء في السلطة.

بالرغم من ذلك، لن تقبل نسبة كبيرة من الشباب الإخواني بهذه النهاية، وسيعتبرون ما حدث انقلاباً على الشرعية، وسينجرّون إلى الفكر الراديكالي مرّة أخرى، وربما العمل المسلّح، بخاصة أنّ الجماعة لم تكن وحدها في ميدان "رابعة العدوية"، بل كانت معها جماعات وتوجهات إسلامية سلفية أكثر وضوحاً في المطالبة بدولة إسلامية، وسيؤدي ذلك إلى ردّات فعل متوقعة.

استعاد الإخوان -على وقع أحداث أول من أمس- في خطابهم السياسي والإعلامي، مباشرةً، أجواء المواجهة مع جمال عبدالناصر عقب ثورة 1952، ثم حظر الجماعة، وصدامها مع العسكر والقوى السياسية المؤيدة لهم، والزج بقيادات الإخوان في السجون. في تلك اللحظة، وُلد فكر سيد قطب، الذي ولّد بدوره الفكر الراديكالي في التعامل مع الواقع السياسي، ما يؤذن بالعودة إلى المرحلة السابقة (المحنة)، بما فيها من سجون ومعتقلات!

السيناريو الثاني أمام الجماعة هي أن ينتفض الجيل الأكثر انفتاحاً واعتدالاً فيها على القيادة الحالية التي أودت بالجماعة إلى صدام مع الجيش والقوى الأخرى، وأن يقوم هذا الجيل بمراجعة صارمة للمرحلة السابقة، ويعيد هيكلة علاقتها بالأوساط السياسية، وربما الانشقاق والخروج منها، والتحالف مع التيارات الإسلامية الإصلاحية الأخرى ليشكلوا حزباً سياسياً ذا نزوع إسلامي واضح على غرار التجربة التركية.

هذا السيناريو أقرب إلى الحالة التركية، وهو الخيار الذي لجأت إليه مجموعة الشباب هناك ردّاً على الانقلابات العسكرية، ونجح مؤخراً، بعد إعادة الهيكلة، في إنتاج حزب العدالة والتنمية التركي، الذي وصل إلى الحكم ونجح في إحداث الاختراق الحقيقي.

أمام الإخوان هذان السيناريوهان، وقد يتقاطعان؛ أي أن تلجأ مجموعة إلى الأول، وأخرى إلى الثاني. لكن بلا شك فإنّ الأول (الراديكالية والعنف) تمّت تجربته مصرياً وعربياً، وكان كارثياً على الإخوان والفصائل الإسلامية الأخرى. أمّا الثاني، فهو الأكثر واقعية وجدوى، لكن بعد أن يصحو الإخوان من الصدمة الراهنة؛ إذ يحتاجون إلى سنوات من إعادة البناء. وهو سيناريو مشروط بنجاح الماكينة الديمقراطية في تداول السلطة!

الغد

أضف تعليقك