إحباط عمره سنوات
يوما بعد يوم يتعمق الشعور بسوء الأوضاع الاقتصادية، لدرجة يشعر معها المرء بالاختناق، وضعف الحيلة أمام تردي المستوى المعيشي وقناعة الناس بأن ظروفهم السيئة تزداد سوءا.
حالة عدم الارتياح بدأت منذ أكثر من عقد ونيف، وتحديدا منذ باشر الأردن الخضوع لبرامج التصحيح الاقتصادي منذ نحو 16 عاما، حيث ركزت البرامج على تخفيض معدلات الدين والعجز وتأمين مستوى آمن من احتياطي العملات الصعبة.
البرامج التي نجحت في تحسين الأرقام والمؤشرات الاقتصادية الصماء، رافقها بلا شك تبعات اقتصادية وآثار اجتماعية خطيرة أثرت في تركيبة الشرائح الاقتصادية وتحديدا الطبقة الوسطى.
عقب التخرج من الصندوق، تعمق إحساس الناس بعدم الرضا في ظل فشل حكومات متعاقبة أنفقت بلايين الدنانير على حل مشاكل اقتصادية ذات اثر اجتماعي، خلفتها برامج الإصلاح وبالذات مشكلتا الفقر والبطالة.
في العام 2008 لم تصبح الأوضاع أفضل، بل تآمرت عوامل خارجية على أحوال الناس لتضاعف أزمة المواطن الذي بات يرزح تحت وطأة ظروف اقتصادية صعبة، بعد أن ارتفعت معدلات الأسعار عالميا من نفط ومواد أساسية.
وتتالت الضربات الخارجية، لتندلع الأزمة المالية العالمية وتقضي على ما تبقى من قدرة على التحمل، ولحقت نتائجها السلبية بالاقتصاد ككل قبل التأثير على الناس وحياتهم.
اليوم تتضاءل الفرص بتحسن المزاج العام جراء أنباء عن نوايا رسمية بزيادة تعرفة الكهرباء والمياه قبل نهاية العام، وتراجع قدرة الاقتصاد على توليد الوظائف، ما يتسبب بزيادة عدد الخريجين غير القادرين على الحصول على فرصة عمل.
وسط هذه الأجواء وشكوى شرائح واسعة من المجتمع، من أن أحوالهم قبل أعوام كانت أحسن بكثير مما هي عليه اليوم، تنتشر حالة من عدم الرضا تجاه جميع القرارات وسط ما يلوح في الأفق من أزمات انقطاع الكهرباء والمياه.
وانعكست الحالة النفسية على ردود الفعل الشعبية على القرارات الحكومية، وصارت أية خطوة حكومية تخفق في تحقيق الغاية منها كونها تصطدم بقناعة عامة فحواها أن الحكومات منشغلة بقضايا وملفات أكثر سخونة من هموم الناس.
ولم يعد ممكنا تقبل قرارات إصلاحية تسعى الحكومة من خلال تطبيقها لتقويم أخطاء الماضي، وحل مشاكل مستعصية، لا تنفع الجراحة التجميلية في علاج الاختلالات التي تعتريها، طالما أن أحوال الناس لا تتحسن حتى بعد الاصلاح.
إن ارتفاع منسوب المزاج السيئ له أسبابه، فهو نتاج طبيعي لقرارات رفع معدلات الضريبة، واستنزاف مداخيل الأفراد المحدودة برفع العبء الضريبي الذي يتجاوز معدله 35 % من دخل الفرد، ولا يلمس الفرد مقابل ذلك تحسنا في مستوى الخدمات التي يتلقاها من الحكومة.
وبغض النظر عن الأسباب والتفسيرات، تشي الأوضاع العامة بحالة احتقان، نتائجها مقلقة وغير مبشرة بخير، ما يدعو لتقوية شبكات الحماية الاجتماعية، وتطبيق فكرة معالجة الفقر لا تسكينه، ووضع حلول لمشاكل عابرة للحكومات مثل البطالة.
الهم الاقتصادي أنهك الناس تماما كما هو الحال مع الحكومة، وإدراك تبعات ما يحدث ضروري ومهم، ومعالجته من خلال وضع رؤية للحفاظ على الأمن الاقتصادي الذي ننشده جميعا.
في الكواليس يجري الحديث عن تفاؤل اقتصادي، يرتكز على بيانات تؤكد تراجع العجز وضبط الدين. ونقل عدوى المزاج الرسمي إلى العامة يحتاج إلى انعكاس مباشر لهذا التفاؤل على حياة الناس ومداخيلهم.