أي اعلام نريد.. نموذج (سانتورو) ام اذاعة (الهوتو) ?

أي اعلام نريد.. نموذج (سانتورو) ام اذاعة (الهوتو) ?
الرابط المختصر

عندما يصبح قول الحقيقة انحيازاً, فعلى الصحافي ان ينحاز, وحين تشعر وسائل الاعلام ان السلم الاهلي والتعددية مهددتان جراء تهور السياسيين فان الواجب الاخلاقي يفرض عليها كسر القواعد التقليدية والوقوف في الصدارة.

"ميكليه سانتورو" صحافي ايطالي مشهور وشجاع ومن اعداء برلسكوني الألداء يشرح طريقته في فهم الامور بالقول: "الساسة لا يتبعون اي قاعدة ونحن الاعلاميين يتوجب علينا احترام الف قاعدة, فكيف يمكننا ان نتحمل, ثم حين يصل الامر الى درجة لا تطاق يتوقعون منا ان نترك كي تخلو لهم الساحة بعيداً عن الرقابة". "سانتورو" يقدم برنامجاً شهيراً في تلفزيون "راي" الحكومي وفي احدى حلقات برنامجه الساخنة صد مدير التلفزيون الذي دخل على الهواء لمنع سانتورو من مواصلة النقد لبرلسكوني فتم فصله من العمل لكنه عاد بقرار من المحكمة.

قول الحقيقة مكلف بلا شك, ومن يسعى اليها من الاعلاميين قد يدفع الثمن, في ليبيا حيث تدور المواجهة مع نظام القذافي سجلت لجنة حماية الصحافيين اعتقال وفقدان 13 صحافياً حتى الان, اربعة منهم من محطة الجزيرة واثنان من وكالة الانباء الفرنسية, وبلغت ذروة استهداف الصحافيين باغتيال مصور قناة الجزيرة الشهيد علي الجابر واصابة زميله, كما تعرض مذيع ليبي الى القتل على أيدي قوات القذافي, فضلاً عن ذلك ما زال مصير 6 صحافيين ليبيين مجهولاً.

لكن الامر المشين في دور وسائل الاعلام هو ان تتحول الى اداة من ادوات القتل او وسيلة للحض على الكراهية والحرب الاهلية.

في حرب الابادة التي شهدتها رواندا قبل اكثر من عقدين كانت اذاعة قبائل الهوتو توجه نداء على مدار الساعة لانصارها شعاره "اسحقوا الصراصير", في اشارة الى ابناء قبيلة التوتسي وترشد المليشيات الى اماكن تواجدهم للاجهاز عليهم وفي رسالة اخرى كانت الاذاعة تُحرض بالقول: "صَفُّوهم.. امحوهم من كل البلد.. لا تدعوهم يجدون ملاذاً, لا ملاذ على الاطلاق".

في جميع الدول التي عانت من النزاعات والتوترات, كان هناك اعلاميون شجعان دفع بعضهم حياته ثمناً لقول الحقيقة, كما كانت هناك وسائل اعلام تغذي الصراعات وتمدها بوقود الرسائل والتحريض.

في الاسابيع الاخيرة لم يكن السلم الاهلي المتضرر الوحيد في الاردن, وسائل اعلام وصحافيون تعرضوا للاعتداء الجسدي ولحملات التشهير والاساءة والتحريض, مما جعل حياتهم في خطر.

اكثر من عشرين صحافياً ومصوراً تلفزيونياً اصيبوا في احداث ميدان جمال عبدالناصر, بينما كانوا يؤدون عملهم ونال بعضهم من الضرب والتكسير اكثر مما اصاب المعتصمين, ورغم هدوء العاصفة بعد احداث الجمعة استمرت حملة التحريض في وسائل اعلام ضد اعلاميين وصحافيين كان اخطرها ما تعرض له مدير شبكة الجزيرة في عمان الزميل ياسر ابو هلاله, والتي وصلت حد التهديد بالقتل, لم يكن لاحد ان يفكر بمحاسبة ابو هلاله على دوره في نقل الاحداث كما هي لولا التحريض الممنهج الذي قامت به وسائل اعلام اختارت ان تنحاز لخطاب التجييش والتحريض على ما يترتب عليه من تكلفة سياسية واجتماعية باهظة.

لا نريد اعلاماً يحمل شعار اذاعة رواندا. والاردن لن يكون يوماً مثل تلك البلاد التعيسة. ما نحتاج اليه هو اعلام على طريقة تلفزيون "راي" الايطالي "الحكومي" واعلاميون مثل "سانتورو". اعلام ينحاز للسلم الاهلي والاجتماعي ولا يتبع السياسيين, فهؤلاء لا قاعدة تحكم عملهم بينما نحن محكومون لألف قاعدة ومبدأ ينبغي ان لا نفرط بها.