أين يختفي النواب؟
يجاهد رئيس مجلس النواب سعد هايل السرور، لتأمين النصاب اللازم لعقد جلسات المجلس. الغياب والتهرب ظهرا محدودين في الأسابيع الأولى من عمر المجلس. لكن مع مرور الوقت، أخذت ظاهرة الغياب في التفاقم. ويقول متابعون لأعمال المجلس إن بعض الجلسات عقدت بدون نصاب.
يوم أمس، تأخرت جلسة النواب أربعين دقيقة لحين تأمين النصاب، فيما المجلس يناقش واحدا من أهم مشاريع القوانين، وهو قانون الضمان الاجتماعي الذي يعني كل مواطن أردني. وقد دار حوله جدل واسع منذ طرحه للنقاش العام قبل أشهر.
أقل من نصف النواب بقليل غابوا عن جلسة المناقشات أمس. والمفارقة العجيبة أن جل النواب تعرضوا للقانون في خطابات الثقة والموازنة، وعَدّوه على رأس أولوياتهم؛ فبماذا إذن نفسر غيابهم بعد طرحه تحت القبة؟
السؤال المحير حقا: أين يختفي 74 نائبا؟ هل يمكثون في منازلهم، بينما الجلسة منعقدة؟ مسافرون خارج البلاد؟ ليس معقولا بالطبع أن يسافر 74 نائبا دفعة واحدة. كلهم مرضى؟ بالطبع لا. بجد، أتمنى أن أجد جوابا للسؤال.
الغياب عن الجلسات كان واحدا من بين أهم الأسباب التي قوّضت ثقة الناخبين بمجالس سابقة. ويبدو أن نوابنا المحترمين لم يتعلموا الدرس؛ داوموا على الحضور في البداية بمعدلات جيدة نسبيا، ثم سرعان ما تسلل الملل إليهم، وعدنا نتابع نفس المواقف السابقة، حين "يصيح" رئيس المجلس بأعلى صوته على نائب يهم بالتسلل من تحت القبة ليعيده خوفا من فقدان النصاب.
علاج الظاهرة من جذورها يحتاج إلى تعديل جوهري على النظام الداخلي للمجلس، وفرض عقوبات مالية، وحرمان النواب المتغيبين من السفرات الخارجية، وغيرها من الإجراءات التي يمكن أن تحد من الغياب.
ومن متابعتنا لمناقشات النواب حول هذا الموضوع، يبدو أن هناك من لا يريد للمجلس أن ينجز هذه المهمة قبل نهاية الدورة الحالية، رغم أن الملك ناشد النواب أكثر من مرة بضرورة الإسراع في تعديل النظام الداخلي، باعتباره جزءا من عملية إصلاح الحياة النيابية وتطوير أداء مجلس النواب.
الأمر لا يتوقف على النظام الداخلي فقط؛ إلى جانب ذلك، ينبغي أن تتوفر الإرادة والقناعة عند السادة النواب بأن المرحلة المفصلية التي يجتازها الأردن تستدعي من كل السلطات، وفي المقدمة ممثلو الشعب، أن تتحمل مسؤولياتها في العمل وإنجاز المهمات المطلوبة، لتعزيز الثقة الشعبية بجدية العملية الإصلاحية التي تلاحقها الشكوك من جميع الاتجاهات.
في ظل حالة الاستخفاف هذه، لا يمكن للشارع الأردني أن يعدّل مزاجه تجاه النواب وباقي السلطات.
النواب بغيابهم عن جلسات المجلس يستخفون بقضايا الناس ومشاكلهم. وهم بهذا السلوك يدفعون الرأي العام إلى أن يستخف بهم، ويتخذ موقفا سلبيا منهم.
بقي من عمر الدورة البرلمانية قرابة الشهر. وإذا ما التزم النواب بحضور جلسات المجلس واللجان، وعملوا بفاعلية أكثر، فإن بوسعهم أن ينجزوا العديد من المهمات الملحة، وإقرار التشريعات المطلوبة لهذه المرحلة. بعد ذلك، لهم أن يأخذوا قسطا من الراحة، وأن يسافروا أينما رغبوا.
الغد