أين مقولة "الخبز خط أحمر"؟!

أين مقولة "الخبز خط أحمر"؟!
الرابط المختصر

خيرا تفعل الحكومة بالرجوع خطوة إلى الخلف في موضوع إلغاء الدعم عن الخبز، واللجوء للبطاقة الذكية. فالقرار ليس سهلا، وله أبعاد كثيرة؛ إذ تتجاوز القيمة المعنوية تلك المالية التي تتكبدها الحكومة مقابل دعم "العيش".

مسؤولون حكوميون يؤكدون أن الحكومة ما تزال تدرس الخيارات المتاحة لتغيير آلية تقديم الدعم للخبز؛ من ذاك الموجه إلى السلعة، إلى دعم نقدي أو اللجوء إلى البطاقة الذكية. وفي ذلك تراجع طفيف عن حديث سابق كان أميل إلى اعتماد البطاقة الذكية باعتبارها خيارا وحيدا.

ما يرشح عن مجلس الوزراء من معلومات، يشير إلى أن ثمة اختلافا بين أعضاء الفريق الحكومي. ففي الوقت الذي يصر فيه الوزراء الاقتصاديون على الذهاب إلى آخر الطريق في مسألة التخلص من الدعم، يبدو السياسيون من الوزراء أكثر ميلا للتأني والحذر تجاه قضية الخبز، لحساسيتها.

للخبز وزن سياسي يفوق قيمة ما تتكبده الخزينة من أموال، تقدرها الأرقام الرسمية بحوالي 230 مليون دينار سنوياً، لدعم صنف واحد من الخبز هو "الرغيف الكبير الذي يباع الكيلو منه بمبلغ 16 قرشا". وتتوقع الحكومة أن توفر بعد اتخاذ قرارها مبلغ 70 مليون دينار.

ثمة أبعاد لم تدركها الحكومة في موضوع الخبز، أبرزها وأخطرها أن تحرير طن الطحين سيؤدي إلى زيادة أسعار معظم منتجات المخابز، بخلاف ما كانت أكدته الحكومة، غير مرة على لسان رئيسها وبعض الوزراء، بأنها "لن تمسّ الخبز" وأن "الخبز خط أحمر".

الحكومة تعلم جيدا أنّ كثيرا من المخابز تستخدم الطحين المدعوم الذي تشتريه من السوق السوداء، في إنتاج مختلف منتجاتها؛ الأمر الذي يعني أنه وبمجرد دخول قرار إلغاء الدعم حيز التنفيذ، ستقفز الأسعار؛ بعد أن يرتفع سعر الطن من 36 دينارا هو السعر المدعوم إلى 360 ديناراً

فشل الجهات الرقابية في محاصرة ومحاسبة تجار سوق الطحين الخفية، دفع إلى البحث عن بديل سهل. وفي النهاية، تمت معاقبة المستهلك، وليكون -كما جرت العادة- هو من يسدد كلف فشل الحكومة في القيام بالمهمات المطلوبة منها.

وما يحدث في سوق الطحين ليس إلا أنموذجا مصغرا لفشل دولة القانون، وتراجع هيبة الدولة ككل. والأولى بدلا من الاستقواء على المواطن الضعيف الذي يعني له الخبز الكثير، تطبيق القانون على كل من يستغل الطحين بغير وجه حق، بحيث تقوم الجهات التنفيذية بدورها، لمعالجة الاختلالات التي يولّدها تقصيرها في ضبط من يتاجر بعيش المواطن.

من المفيد، في ظل ارتفاع الكلف السياسية المتوقعة، أن تتأنى الحكومة في اتخاذ قرارها بشأن الخبز؛ فالشارع لم يستوعب بعد تبعات قرارات إلغاء الدعم عن المحروقات والكهرباء.

والتقارير الميدانية التي أجرتها "الغد" في مختلف المحافظات، تكشف رفضا شعبيا للتوجه، الأمر الذي يتطلب دراسة أكثر عمقا لفكرة الاقتراب من الخبز، اعتمادا على تقدير المزاج الشعبي، وبالتالي محاولة تقدير الموقف بشكل حقيقي، بعيدا عن الاستجابة لرغبات صندوق النقد الدولي الذي يطمح إلى تخليص الدول من جميع أشكال دعم السلع والخدمات.

نظريا، يرى الخبراء أن القرار لن يؤثر على سعر خبز العائلة الأردنية. بيد أن التطبيق العملي سيكشف غير ذلك، وستدخل حكومة د. عبدالله النسور التاريخ من أوسع أبوابه، بأنْ تسجل في منجزاتها رفع أسعار الخبز، وهو ما لم يفعله أحد من أسلافها منذ سنوات طويلة.

الظاهر أن الخبز لم يعد خطاً أحمر. وبعد الخبز، لا تبقى خطوط؛ حمراء كانت أم خضراء أم سواها!

الغد