أنا مرعوب!
خلال الأيام القليلة الماضية فقط، شهد الأردن مشاجرات عنيفة أدت إلى مقتل عدد من الأشخاص وإصابة آخرين. وقد جاء أغلبها على خلفية قضايا سخيفة، لكنّها تكشف حجم النزق والمعدّل المرتفع للتوتر الاجتماعي، ليس في رمضان فقط، فهذا "العنف البنيوي الاجتماعي" أصبح بمثابة ظاهرة اجتماعية منذ أعوام!
في جبل الجوفة، تحوّل لعب أحد الأطفال بالمفرقعات النارية إلى مواجهات مسلّحة بين عشيرتين، أدت إلى مقتل شخصين وإصابة آخرين، واستخدام للأسلحة النارية، ثم أعمال شغب وعنف وإحراق ممتلكات، وترحيل عائلات، وحملة اعتقالات، في محاولة لفض الاشتباك بين الأطراف المختلفة.
الحال لم تكن أفضل في منطقة وادي السير؛ إذ سرعان ما انتقل الخلاف حول وقوف إحدى السيارات أمام منزل أو ممتلكات لأشخاص، إلى تبادل لإطلاق النار. ولم يسلم حتى رجال الأمن العام، كما يُظهر تسجيل مصوّر، من هذه المواجهات.
خلال الفترة القصيرة نفسها، يمكن ذكر حالات أخرى شبيهة؛ سواء في الوحدات أو الزرقاء، هذا بالإضافة إلى الجرائم الغريبة و"انفلات الأعصاب" في الشارع، بالتوازي مع انتشار السلاح واستسهال استخدامه في المشاجرات الاجتماعية والجامعية!
كذلك، عاد السلاح للحضور في الأعراس والمناسبات الاجتماعية المختلفة، بصورة رهيبة. إذ تُستخدم أسلحة كثيفة ومتطوّرة، بلا حسيب ولا رقيب، وكأنّه أمر قانوني ومشروع. وفي أحيان كثيرة يكون ذلك على مرأى من المسؤولين والأمن، من دون أن يتذكر أحدٌ من هؤلاء تلك الحملة الواسعة لمنع استخدام السلاح في المناسبات الاجتماعية، والتي نجحت حينها في الحدّ بصورة واسعة من هذه الظاهرة، قبل أن يتراخى الأمن، أو بعبارةٍ أخرى ينام المسؤولون، فتعود هذه الظاهرة إلى الانتشار، بل أصبحت أكثر خطورة مما سبق!
ما نزال نتحدث عن "كلاشينات" و"بمبكشن" و"مسدسات". لكن أخشى إن بقي هذا التراخي والعجز الرسمي، أن نتحدث غداً عن أسلحة أخرى أكثر تطوراً، مع سوق السلاح المزدهرة حالياً، وفي الوقت الذي ينمو فيه ويصعد تيار يؤمن بخطّ تنظيم "الدولة الإسلامية"، وشهيته مفتوحة على العمل في الأردن!
بالعودة إلى النقطة المركزية في المقال، وهي ظاهرة العنف والنزق والتوتر الاجتماعي، فإنه يصعد مرّة أخرى السؤال الأساسي، الذي بدأ كثيرون بطرحه منذ أعوام (لكنه يزداد إلحاحاً اليوم مع التدهور المستمر في الظواهر الاجتماعية)، وهو: ماذا حدث للأردنيين؟! هل ما يحدث أمر طبيعي؛ أم غريب ومقلق ومزعج؟! ماذا حدث للناس حتى أصبحوا على هذه الدرجة من الاستعداد للعنف والقتل والجريمة؟
هل هو انهيار في الأخلاق؛ أم في صورة الدولة وقيمها وفي ثقة الناس فيها وفي القانون؛ أم في الطبقة الوسطى التي تمثّل صمام الأمان في المجتمع؟ أم بسبب الظروف الاقتصادية والفقر والحرمان الاجتماعي؟! أم بسبب غياب الوازع الديني والأخلاقي؟ وعند هذه النقطة تحديداً، لماذا يصبح فكر المجتمع الديني أكثر انغلاقاً وتشدداً؛ فتنمو التيارات المتشددة وتتوارى الأصوات المعتدلة التجديدية؟
أصحاب القرار يصرّون على "أننا بخير"؛ فهم يقارنون البلد بما يجري حولنا من كوارث. لكن هذه القناعة ستصبح سلبية وخطرة، إذا كانت تدفع إلى الدعة والركون، بينما المياه تجري تحت أقدامنا، ولا نرى أن ما يحدث من تحولات لا يدفع إلى الراحة ولا إلى الاطمئنان!
دولة الرئيس؛ أيها المسؤولون؛ أنا، كغيري من المواطنين الأردنيين، مرعوب مما يجري. وأعتقد أنّ الأمر يستحق تفكيراً عميقاً في الأسباب والنتائج والمؤشّرات التي نراها؛ فهل لدينا دراسات أو قراءات موضوعية لهذه الظواهر وخطورتها على السلم الأهلي والاستقرار الاجتماعي، أم أنّنا في حالة إنكار كامل؟
الغد