لدى اخواننا في لجنة الحوار الوطني «نوايا» طيبة لاخراج مشروع قانون يرضي الناس ويطمئنهم على سلامة ادارة الانتخابات واجراءاتها، ولديهم – ايضا – اقتراحات وتصورات لاختيار ما يناسب بلدنا من نماذج، سواء تعلقت «بالنظام» الانتخابي، او بهيئة مراقبة الانتخابات او بغير ذلك من ضرورات «انتاج» عملية انتخابية تتوائم مع ما نحتاجه من اصلاحات حقيقية.
على مدى ثلاثة ايام، كان ثمة خبراء واعضاء من لجنة الحوار ومراقبون، يتناوبون «النقاش» حول هذا القانون، كان ثمة سؤال محوري قد طرح وهو: أي مجلس نواب نريد؟ من تحته تسللت اسئلة اخرى مهمة منها: ما هو النظام الانتخابي الذي يناسبنا: النظام المختلط ام النظام النسبي، ثم هل يكون على مستوى الدوائر والمحافظات أم على مستوى الدوائر والوطن، وكم عدد المقاعد التي تخصص لكل محافظة، وهل يمكن اعادة توزيع المقاعد في بعض الالوية بعد ان اصبحت حقوقا مكتسبة, وماذا عن «الكوتات» والمقاعد المخصصة لبعض مكونات المجتمع الاردني.. وغيرها مما يصعب حصره.
لا اريد ان ادخل في تفاصيل «السباحة» التي جرت على ضفاف البحر الميت حول هذه «الاسئلة» واسماكها المختلفة والمتنوعة، فالمتحاورون لم ينتهوا الى صياغة محددة لمشروع تجيب على ذلك، لكن لا بد من تسجيل بعض الملاحظات على الهامش، منها ان اعضاء اللجنة قد تجاوزوا حواجز الجدل والخوف وكسروا بعض الهواجس التي كانت تراودهم، وتراودنا – ايضا – عند بداية تشكيل اللجنة، فقد تجاوزوا مسألة الصوت الواحد، وتجاوزوا هواجس التركيبة السكانية وفزاعة الاسلاميين، واصبح امامهم هدف واحد: قانون جيد وادارة انتخابية جيدة تفرز مجلسا قويا، اما كيف فيمر عبر ثلاثة محاور: اولاهما اختيار نظام انتخابي مرن ومقنع مع «ابداع» حسبة جيدة تراعي الخصوصيات الاردنية ديمغرافيا وجغرافيا، حزبيا وعشائريا، وثانيها: انشاء هيئة مستقلة لمتابعة الانتخابات ومراقبتها، ومع انه لدينا – عالميا – عدد كبير من النماذج الا ان ما فهمته من المقترحات ينصب في اتجاه «ابعاد» هذه الهيئة عن سيطرة الحكومات، وتمكينها من خلال قانون خاص بها للقيام بدورها دون اي تدخل حكومي او حزبي او غيره.
اما المحور الثالث فيتعلق بتقديم وصفة قانونية لادارة الانتخابات بشكل يضمن الحيادية والنزاهة والعدالة، ويبعد اي هوامش ومخاوف من تزويرها او التدخل فيها او اقحام المال السياسي عليها.
تصورت للحظة ان «افكار» اخواننا المتحاورين – وخاصة من اعضاء اللجنة – قد نضجت بما يكفي لصياغة مشروع «انتخاب» يأخذ «اصلاحنا» السياسي الى الامام، وتصورت ايضا ان مقترحاتهم تحولت الى «اسماك» تسبح في البحر الميت، لكنني استدركت وتساءلت: هل يمكن – فعلا – لهذه الافكار والمقترحات ان تمر دون ان يعترضها احد؟ هل تتوفر لدينا الارادة السياسية فعلا لتأسيس مرحلة ديمقراطية يكون فيها لمجلس النواب – كمؤسسة وركن اساس للحكم – دور حقيقي ومؤثر في صناعة القرار واتخاذه، هل يبدو ان اخواننا – متفائلون – مثلي ايضا – اكثر من اللازم ام ان المسألة حقيقية وواقعية ومشجعة ايضا.
بصراحة، لا ادري، ولكنني استطيع ان اقول بأن «الحوار» حول قانون الانتخاب في أيد أمينة وواعية، وبأن «النوايا» الطيبة موجودة، وبأن بعض من سمعتهم من الاعضاء كان متحمسا اكثر مني لاخراج قانون يرضي الناس، كما استطيع ان اقول بأن على اخواننا ان يخرجوا بالسرعة الممكنة من دائرة «الحوار» والنقاش ليضعوا امام المجتمع مشروع القانون الذي توصلوا اليه.. وان يشرحوا للناس ما يفكرون به حول النظام الانتخابي وهيئة المراقبة وادارة الانتخابات، لأن لدى الكثيرين منا هاجسا واحدا: وهو «نظام الانتخاب» اما القضايا الاخرى وهي لا تقل اهمية عن النظام، فلا تحظى باهتمام كبير لديهم.
لدي رجاء اخير: وهو ان نترك لاخواننا في اللجنة صياغة افكارهم في مشروع قانون، وان ندفع باتجاه ضمان اقراره دون تدخلات، وان ندخل «التجربة» الانتخابية لنحكم عليها، لأننا منذ انتخابات 89 لم نعش اي تجربة انتخابية حقيقية حتى نحكم عليها بدقة.. فقد كانت للاسف تجارب مغشوشة ومشكوك فيها.. وهذا ما يجعلنا متحمسين لرؤية تجربة صحيحة تسمح لنا ان نفهم الديمقراطية او ان نحكم على مجتمعنا ومسارات اصواتنا وجدواها ايضا.
الدستور