لا يوجد خطاب اسلامي موحد،هذه حقيقة يعاني منها عالمنا الاسلامي المعاصر ،لكن المشكلة تتجاوز هذا الغياب المؤسف الى انحدار وإسفاف(آسف!) هذا الخطاب في بعض الحالات لدرجة يبدو فيه الاسلام بريئا من كل ما يوقع باسمه من احاديث او مناهج او برامج وشاشات .
خذ مثلا ما يحدث على صعيد الفضائيات الموسومة بالاسلامية، ستجد ان اكثر من ثلاثة تخصصت في موضوع (تفسير الاحلام) ورابعة في صناعة (الحجب) والرقي ، فيما ترواحت الأخريات بين التركيز على خطاب سلفي تقليدي يتعامل مع النصوص بكثير من الحذر في جانب العقيدة و العبادات فقط....وأخرى آثرت السلامة واكتفت ببث القرآن الكريم فقط، وثالثة تمحورت حول خطاب ممذهب يكاد يخلو من الانفتاح على اي مدرسة اسلامية اخرى .
هل يعبر الخطاب الاسلامي من خلال ما نشاهده على شاشات البث وعلى صفحات الصحف و الانترنت عن فهمنا البشري لحقيقة الاسلام وقيمه ، ولماذا ضلت هذه الادوات في ايصال مضامينه الى الافهام والعقول ....وهل يمثل هذا الهروب (الاسلامي) للغيب و المجهول و التطرف وعدم الوضوح ازمة نخبة ...أم أزمة أمة أم أنه يشير الى غياب البوصلة لدى الطرفين معا ؟؟.
الناس –كما يقال- على دين اعلامهم ، فهل استفاد المسلمون من ثورة الاتصالات و المعرفة ، وهل نجحوا في اصدار خطاب عقلاني رشيد معبر عن روح الاسلام ومتصالح مع العصر ...وقادر على اقناع الداخل و الخارج بعدالة الاسلام ....وقداسة مبادئه وعظمة رسالته ؟.
لا أدري بالطبع أمام هذه الأسئلة الملحة وغيرها فيما اذا كان الاعلام الاسلامي تجاوز محنة المهانة و الضعف التي تعيشها الأمة – و النخبة تحديدا- ام انه مازال يعاني من انعكاسات هذه المحنة للحد الذي نتصور فيه اننا – ومعنا بعض اعلامنا العربي والاسلامي- قد دخلنا في زمن الاسترقاق الجديد ,استرقاق العولمة الذي استهدف الانسان بعقله ووجدانه بعد ان كان الاستعمار يكتفي بامتلاك الارض ....والاسترقاق الأول يكتفي بامتلاك جهد الانسان وعرقه .
لا نريد ان نستعرض العقبات التي تقف في طريق الاعلام الاسلامي (دعك الآن من العربي) ،وما أكثرها ، ولانريد ان نذكر بمواصفات الخطاب القرآني و النبوي ، ولا ضرورات تجديد الخطاب الاسلامي مرورا بثلاثية العقل و النص والأدوات ، ولكننا نريد ان نتوقف امام ثلاثة ازمات يعاني منها هذا الاعلام : احداها الاختراق و التدجين الذي جعل من بعض وسائل الاعلام الاسلامية قناة للآخر ، وثانيها الهروب الى دائرتين خطرتين احداهما تمثل الغيب و المجهول بكل ما يعني ذلك من تنكب للواقع ومحاولة لتغييبه واشغال الناس بقضايا غير محسومة اسلاميا على حساب ضرورات واقعهم وحياتهم . والثانية الهروب الى التطرف و العنف وإشاعة ثقافتهما على اعتبار انهما الرد الاسلامي المعاصر على كل الدعوات التي تنطلق لمحاصرة الاسلام او معاقبته.
أما الازمة الثالثة فتتعلق بغياب القضايا الهامة التي تحتاجها الامة و التركيز على مسائل خلافية وتفاصيل مثيرة للجدل ...اضافة الى ان آليات الخطاب الاعلامي المعاصر ماتزال مستمدة من خصائص فكر الجماعات الاسلامية ابتداء من التوحيد بين الفكر و الدين الى الاعتماد على سلطة الترث وقدسيته, الى اهدار البعد التاريخي والابقاء على الماضي ، وجدل الكل أو لاشيء ، وسيادة التعصب و التسلط ، وهي سمات الفكر في المجتمع المتخلف أيا كان نوع هذا الفكر.
الخطاب الاسلامي ، ومثله الاعلام الاسلامي، يحتاجان الى اصلاح فوري يبدأ بالاعتراف بأننا سقطنا في امتحان (ادوات) النظر و الفهم لقيمنا ومرجعياتنا الاسلامية ، وبأننا سقطنا- ايضا- في انتاج فقه بناء الانسان ...ولعلنا نحصد الآن ما زرعناه على مدى قرون .