أزمة الديمقراطية في الدافع الانتخابي!

أزمة الديمقراطية في الدافع الانتخابي!
الرابط المختصر

قبيل الانتخابات النيابية, كان مفيدا وضروريا أن يجرى استطلاع رأي موضوعي نقف من خلال نتائجه على رأي غالبية المواطنين (أو الناحبين, أو المشمولين باستطلاع الرأي) في جدوى وأهمية تلك الانتخابات لجهة قدرتها على الإتيان ببرلمان, يقوم بما يقوم به أي برلمان في أنظمة الحكم الديمقراطية (غير العربية).

أما ما دعاني إلى قول ذلك فهو تقديري, استنادا إلى استطلاعات رأي سابقة, وإلى وجهات النظر العامة للناس والتي لا تعكسها إلا قليلا وسائل الإعلام, أن الغالبية من المستطلع رأيهم لن تكون إيجابية في رأيها هذا; ومع ذلك, يجيء الواقع الانتخابي بما يناقض هذا الرأي; ذلك لأن كثيرا, وكثيرا جدا, ممن أدلوا برأي سلبي في تلك القضية, يذهبون إلى صناديق الاقتراع, ويدلون بأصواتهم, وكأن الرأي والتصويت أمران منفصلان!

ولا ريب في أن دوافع وحوافز انتخابية ليست من قيم ومبادئ الديمقراطية في شيء هي التي تنشئ وتغذي هذا التناقض بين الرأي والتصويت; وليس من سبيل إلى حل هذا التناقض وتخطيه إلا بالتثوير الديمقراطي (والحضاري) لدوافع وحوافز الناخبين (والمرشحين).

إن الأزمة تكمن في المرشح, معنى ومبنى, فالمرشح الديمقراطي إنما هو وحدة لا انفصام فيها بين البرنامج (الانتخابي) والشخص (الذي يحمل ويمثل هذا البرنامج). وفي المجتمعات الديمقراطية, أي في المجتمعات التي في انتخاباتها البرلمانية على وجه الخصوص تظهر وتتأكد قيم ومبادئ الحياة الديمقراطية وليس الحياة دون الديمقراطية, نرى جماعة منظمة سياسيا من المواطنين, هي الحزب, تنشئ وتطور وتنشر برنامجها السياسي الانتخابي, مختارة له من المرشحين (الحزبيين) من لديهم من الخواص السياسية والأخلاقية والشخصية ما يجتذب إليه أصوات الناخبين, فيتحمل الحزب, بالتالي, مسؤولية إساءته اختيار شخص أو أشخاص.

والناخب, في هذه الحال, يقف على البرامج الحزبية الانتخابية كافة, فينحاز إلى البرنامج (والحزب) الذي يرى فيه تعيينا لمطالب وأهداف, يرى في تحقيقها ما يخدم مصلحة أو يلبي حاجة لديه; وينحاز, من ثم وبعد ذلك, إلى من يمثل ويحمل هذا البرنامج من أشخاص (مرشحين) فلا انفصام بين البرنامج وحامله.

إن الحزب فحسب هو الذي في مقدوره أن يؤسس للمواطنين, أفرادا وجماعات, وعيا بمصالحهم الحقيقية الواقعية وبحاجاتهم الأساسية والجوهرية التي يمكنهم وينبغي لهم تلبيتها (بالديمقراطية وفيها) فينضج كلا الطرفين الآخر سياسيا من خلال هذا التفاعل الديمقراطي الدائم; ويتصارع, في استمرار, كلا الحافزين (الحافز الديمقراطي والحافز دون الديمقراطي) في الناخب, وتكون الغلبة, على وجه العموم, للحافز الديمقراطي, الذي فيه يظهر ويتأكد كل انتماء تقره قيم ومبادئ الحياة الديمقراطية.

ويبقى الحافز الديمقراطي العام والأهم, والذي في غيابه تغيب الحياة الديمقراطية جسما لتحضر ظلا. وهذا الحافز إنما هو وزن البرلمان في الحياة السياسية للمجتمع, فالانتخابات البرلمانية تستمد قوتها وأهميتها وحيويتها من قوة وأهمية وحيوية البرلمان الذي في سبيل الوصول إليه يتصارعون, فالبرلمان ينبغي له أن يملك من سلطة التشريع والرقابة ما يكفل للمجتمع أن تكون له حكومة تحدث التغيير بما يجعل عملها لا ينتهي بنتائج تذهب بما توقعته وأرادته الغالبية الانتخابية البرلمانية, أي الغالبية, شعبيا وبرلمانيا.

إذا البرلمان انفصل عن الناخبين بعد خروجه من رحم إرادتهم, وإذا الحكومة انفصلت عن البرلمان بعد نيلها ثقته, فلا بد للحياة الديمقراطية, عندئذ, من أن تعلن وتؤكد انفصالها عن واقع حياة المجتمع بوجهه السياسي على وجه الخصوص.

span style=color: #ff0000;العرب اليوم/span

أضف تعليقك