أرقام البطالة: قراءة سياسية
للأسف لم يتمكن الاقتصاد من تخفيض معدلات البطالة؛ حيث زادت بمعدل 0.4 % خلال الأشهر التسعة من العام الحالي، ما يعني زيادة في أعداد العاطلين عن العمل. الأرقام لم تكن مفاجئة كونها نتاجا طبيعيا للسياسات الرسمية المتبعة لعلاج هذه المشكلة المستعصية منذ سنوات والتي ظلت أرقامها على ثبات إن لم يكن على ارتفاع.
وأكبر دليل على الإهمال الحكومي في علاج هذه المشكلة يتمثل بوضع استراتيجية التشغيل على الرف والتي عكف فريق من الخبراء برئاسة الدكتور عمر الرزاز على إعدادها خلال الفترة الماضية وتسلمتها الحكومة بشكلها النهائي قبل عدة أشهر.
التراخي في علاج هذه المشكلة يعكس ضعف الفهم لأثرها السياسي والاجتماعي، عدا عن تأثيرها الاقتصادي، خصوصا أن ارتفاع معدلات البطالة التي تتزايد بين فئات الشباب بالتحديد، تعني وجود شباب معطل وغير منتج، أخفقت جميع الأدوات الرسمية في استغلال قواهم الإنتاجية. تجميد هذه القوى لن يكون كاملا بالمعنى الحرفي، فالشباب اليائس من الحصول على عمل، سعى للتعبير عن ثقله المجتمعي ودوره من خلال الحراك الشعبي، المطالب بالإصلاح والذي بات يدرك تماما العلاقة بين تعطل الشباب وهدر مقدرات الوطن أو نهبها، والنتيجة واحدة في كل الأحوال.
خروج الشباب للمطالبة بالإصلاح ليس محض صدفة، ولم يكن نتيجة للانضمام للعمل السياسي السري أو المعلن، بل هو حصاد سنوات من القمع وقتل الحريات، ووليد شعور بأن الفساد يخلخل بنيان المجتمع ويهدد بتدميره. وتزداد الأهمية النسبية لهذه المشكلة نتيجة ارتباطاتها النفسية، والاجتماعية، والأمنية، والسياسية، حيث يصبح الشعور المسيطر على الشباب الافتقاد لتقدير الذات، والفشل، والدونية، وهذا الشعور يولد إحساسا بالسخط يدفعهم لرفض الواقع الذي أوصلهم إلى هذا الحال الرديء.
وعلى مدى سنوات طويلة رأى الشباب بأعينهم الاختلالات، ما عمق شعورهم بعدم الرضا والظلم وغياب العدالة، وأبرز تلك الممارسات توريث المناصب، ناهيك عن الاستثناءات والامتيازات التي كانت تمنح لأبناء جيلهم ممن يمتلكون واسطة من هنا وهناك.
خطورة هذه التركيبة أنها تنهش في فكرة الانتماء للوطن، وتضعفها، وتثير تساؤلات في نفوس الشباب المعطل والمقهور، والمضطر للسفر وتحمل مشاق الغربة في سبيل الحصول على فرصة عمل تقيهم شر الفقر والعوز. ويصبح ارتفاع معدلات البطالة أكثر خطورة في ظل القيود التي تكبل حرياتهم، وتحول دون التعبير عن تطلعاتهم وبث شكواهم من خلال حياة حزبية شوهها التدخل الأمني الذي فرض سطوته على كل مفاتيح الحياة العامة.
هيبة الدولة المفقودة في عيون الشباب بحاجة لوقفة مراجعة من قبل المسؤولين لدراستها وتحليلها ووضع حلول لها تقربها من الحراك الشبابي الذي بات يجوب مختلف المحافظات، لعل وعسى أن تتمكن من استعادة ثقتهم وإيمانهم بإمكانية قيام دولة مؤسسات وقانون.
هذه المعطيات المتناقضة، وفرت بيئة مناسبة، لبناء وعي سياسي، وأدت إلى التحول من الإحباط إلى حالة أكثر نضوجا تطالب بالإصلاح والتغيير لإيجاد مجتمع أكثر ديمقراطية وحرية، يؤمن بأن العدالة الاجتماعية هي مفتاح النمو والتطور والاستقرار.
الغد