"أردنة" الفوسفات
مع صدور القرار القضائي بالسجن مدة 38 عاما لرئيس مجلس إدارة شركة الفوسفات الأردنية السابق وليد الكردي، مع تغريمه مبلغ 285 مليون دينار، تقترب القضية من نهايتها.
ومع وجود حكم نهائي في القضايا المرفوعة ضد الكردي، يقترب تنفيذ فكرة استعادة ملكية الفوسفات من قبل مؤسسة الضمان الاجتماعي، من خلال شراء حصة حكومة بروناي في الشركة، أو زيادة رأسمال الشركة بمساهمة الحكومة و"الضمان"، ليصل 150 مليون دينار، صعودا من 75 مليون دينار؛ ما يؤدي حكما إلى امتلاك القطاع الحكومي لثلثي الشركة تقريبا، ويقلل من تواجد الأجانب، ومنهم بروناي، ويعطي الأردن حصة مؤثرة.
الفكرة بدأت منذ نحو عام، على إثر الحراكات الشعبية المطالبة بالإصلاح، وباستعادة ملكية إدارة شركة تستثمر في الفوسفات الذي هو "نفط الأردن"، كما يصفه الاقتصاديون.
تقوم الفكرة على أن الفوسفات ثروة وطنية، يجب أن تعود خيراتها وأرباحها لجهات محلية، أبرزها الضمان الاجتماعي، خصوصا أن الشركة حققت على مدى سنوات أرباحا طائلة.
وقد بحث صندوق استثمار أموال "الضمان" المسألة مطولا، وأجرى دراسة جدوى قبل نحو عامين؛ تحتاج لمراجعة في ظل تجدد الحديث عن زيادة حصة "الصندوق"، لاتخاذ قرار سليم بخصوص الفكرة.
في ذلك الحين، عُقدت اجتماعات كثيرة بين إدارة "الفوسفات" و"الضمان" وممثلين عن حكومة بروناي، وثمة خطوات جدية تمت في هذا المجال. فرئيس الحكومة د. عبدالله النسور، التقى سلطان بروناي في القاهرة وعرض الفكرة عليه، ولم تكن مرفوضة من الأخير.
واتفق الجانبان على إرسال مبعوث من جانب بروناي، ويمثلها وزير المالية، للتباحث في المسألة وحسمها. لكن المبعوث لم يأت حتى الآن، ويؤكد مسؤول حكومي أن ذلك مرده تأثيرات تمت من قبل الكردي نفسه لثني بروناي عن المسألة.
في البدء، رفضت حكومة بروناي العرض.
بيد أن إلحاح الأطراف الأردنية دفعها إلى قبول الجلوس إلى طاولة المفاوضات، وتقبّل مبدأ البيع.اليوم، ومع تجدد المقترح، بدأت الفكرة تناقش من قبل اقتصاديين وخبراء.
إذ يرى بعضهم فيها عودة إلى التأميم الذي انتهى عصره، فيما يؤكد آخرون أن الخطوة تأتي في الوقت الضائع، خصوصا أن سوق الأسمدة العالمية ستواجه تراجعا كبيرا خلال الأعوام المقبلة، نتيجة انخفاض الكميات المطلوبة من أكبر مستوردين للفوسفات، وهما الهند والصين.
الرد على فكرة التأميم سهل؛ فـ"الضمان" وصندوقه يعملان ضمن أسس استثمارية بحتة. كما أن "الضمان" ليس أموالا حكومية، بل هي مدخرات الأردنيين، واتخاذ القرار لا يجب أن يخضع لأهواء الحكومات، بل يتم وفقا لأسس عالمية دقيقة، بعد اللجوء لجهة مالية مستقلة مشهود لها بالنزاهة لتقييم السعر العادل للسهم.
ففي مثل هذا النوع من الصفقات الضخمة، لا يتم الاحتكام لسعر السوق، بل للسعر العادل الذي تحدده الجهة المستقلة، تبعا لقيمة الأصول والسعر المستقبلي للفوسفات.
الخطوة مهمة شعبيا، وقد تجني الحكومة منها الكثير من الحضور، على اعتبار أنها استعادةٌ لمقدرات الشعب التي بيعت في خضم عمليات الخصخصة.
لكن حتى هذا الثمن لا يستحق التضحية بأموال "الضمان"، ولا التفريط" بـ"تحويشة" الأردنيين.من الضرورة إجراء كل الدراسات المطلوبة قبل السير بالصفقة.
فإن كان فيها خير للضمان وللبلد وأهله، تُستكمل. فيما يلزم وقفها والتراجع عنها إن خلصت التقييمات إلى أنها صفقة خاسرة، وأن الوقت لم يعد مناسبا لـ"أردنة" الفوسفات.
خلال الربع الأول من العام الحالي، تراجعت أرباح الشركة لتبلغ 5 ملايين دينار، نزولا من 31 مليون دينار خلال ذات الفترة من العام الماضي، فهل بدأ عهد أفول أسعار "الفوسفات"؟
إذا كانت "أردنة" الشركة الآن خطأ، فإنه سيكون خطأ مختلفاً هذه المرة، وكلفه أعلى، كونه سيجر خسائر جديدة، ليس للشركة فحسب كما حدث إبان حقبة نهبها، بل للبلد وأهله جميعا.
الغد