أخطاء التفكير الأحادي في مقاطعة الانتخابات

أخطاء التفكير الأحادي في مقاطعة الانتخابات
الرابط المختصر

عندما يواجهه نشطاء مشكلة سياسية يصعب التغلب عليها يتم التلويح السريع بالمقاطعة وكأنها علاج ينفع لكل مرض، والحقيقة المبنية على تجارب عالمية كثيرة تثبت أنه نادرا ما تجلب المقاطعة النتائج المرجوة في التأثير السياسي أو في تسريع الوصول إلى الإصلاح السياسي المرغوب.

ولا يعني ذلك أن المقاطعة دائما ما تفشل، ولكن شروط نجاح أي مقاطعة، خاصة للانتخابات، صعبة بل صعبة جدا، وعلى من يدعوا لمقاطعة انتخابات سياسية أن يدرك ضعف هذا الخيار.

وأسباب ضعف مقاطعة الانتخابات عديدة، ولكن أهمها أن معظم الانتخابات في العالم اختيارية وليست إجبارية، أي أنه لا توجد أي وسيلة أو قانون يجبر كافة المواطنين على المشاركة، ولذلك فإن الانتخابات دائما تشهد نوعا من المقاطعة من مواطنين غير مبالين، ويذهب بذلك المقاطع عن قصد مع المقاطع بدون قصد.

وهناك بالطبع طرق مقترحة لمعالجة هذه المشكلة وذلك من خلال التصويت بورقة بيضاء، إلا أن هذا النوع من التصويت أيضا يتم غالبا شمله مع الأصوات التي يتم إلغائها مما يضعف قوتها في التأثير، كما أن من المعروف أن غالبية الجهات التي تدعو للمقاطعة لا تستطيع إقناع أتباعها بالتصوت بورقة بيضاء بأرقام كبيرة، ولذلك فإن هذا الاقتراح أيضا غالبا ما يفشل.

مجمل القول هو أن تأثير المقاطعة ضعيف، وفي النهاية يخرج الداعون للمقاطعة دون أي نتيجة عملية سوى القول أننا قاطعنا هذه الانتخابات، وبذلك يكون لسان حالهم أنهم غير مسؤولين عن نتائج الانتخابات لأنهم لم يشاركوا فيها، والبعض يعتبر ذلك كافيا، إلا أن المقاطعة لمن يريد إصلاحا وليس انقلابا، يعكس سذاجة سياسية وغيابا للاستراتجية طويلة الأمد.

إن التجارب العالمية كثيرة وتثبت عدم جدوى مقاطعة الانتخابات دون وجود وسائل ضغط أخرى، وعلى سبيل المثال فقد حاول الايرلنديون ولمدة مقاطعة انتخابات المملكة المتحدة لرغبتهم بالاستقلال، إلا أنهم اكتشفوا أن ذلك لا يجلب أية نتيجة، حتى شاركوا في الانتخابات في النهاية وشكلوا إزعاجا وتعطيلا لعمل مجلس البرلمان البريطاني، مما سرع في عملية الاستقلال.

وفي الجزائر فكر المناضلون بمقاطعة الانتخابات، إلا أنهم قرروا المشاركة في النهاية رغم استمرار الاستعمار، الأمر الذي سرع في استقلال الجزائر.

وإذا نظرنا بصورة معمقة وصادقة لنتائج مقاطعة جبهة العمل الإسلامي للانتخابات والحوارات الوطنية لخرجنا باستنتاج أنه حتى ضمن تمثيل متواضع في البرلمان الخامس عشر فقد كان للجبهة تأثير أكبر بكثير من البرلمان السادس عشر والذي تمت مقاطعته، ولو تذكرنا ان البرلمان الحالي هو الذي أقر 42 تعديل دستوري وقانون انتخابات غير كاف، لوصلنا لقناعة أن المشاركة، حتى في أسوء الأحوال، تؤدي إلى فائدة أكبر بكثير من المقاطعة.

والمهم بطبيعة الحال، هو الاتفاق على أي مسار تريد الجهة السير فيه، فإذا كان الحديث عن إصلاح سياسي وليس انقلابا على النظام، فمن أساسيات أي إصلاح العمل ضمن النظام ومحاولة التغيير من داخله، وقد ل ايكون ما يتم إنجازه في مرحلة معينة كافيا لمختلف الأطراف، ولكن اللعبة السياسية تتطلب من الجميع الالتزام بشروط واضحة متفق عليها.

ورغم أهمية الانتخابات البرلمانية، على سبيل المثال، إلا أنها ليست العنصر الوحيد في عملية إصلاح شامل، فالمطلوب لمشاركة حقيقية للمواطن وجود نظام مبني على فصل حقيقي للسلطات واستقلال القضاء ووجود إعلام حر، فالتركيز على قانون انتخابات برلمانية فقط، يقزم المعنى التكاملي للديمقراطية.

قد يفهم البعض من عدم القناعة بالمقاطعة الانتخابية أنه كلام انهزامي وهذا ليس الهدف من ذلك بل بالعكس، إنها محاولة جادة وصريحة للتبادل الأفكار وتوفير المعلومات الصادقة للعديد من الشباب والحراكات المحلية عن التجارب العالمية، فرغم أن كل نضال له ميزاته الخاصة إلا أن هناك في نهاية الأمر قواسم مشتركة مع من خاض تجارب مماثلة يمكن الاستفادة منها.

وللتوضيح أكثر، فمن المعروف أن السياسة هي فن الممكن، وإذا كنا بصدد التعامل مع ما يسمى باللعبة السياسية فعلى الجميع- المعارضة قبل الموالاة- تعلم كيفية الاستفادة من هذه اللعبة، فشروط اللعبة السياسية واضحة، وإذا كان الهدف هو الإصلاح فمن الضروري أن نلتزم بمتطلبات العمل السياسي حتى ولو كان ذلك خلاف رغبتنا أو طموحاتنا الآنية.

ولا يعني كل ما أسلفته أن على الحركات أن تضحي بمبادئها من أجل مكاسب أو مصالح قد يعتبرها البعض انتهازية، بل الهدف هو معرفة كيف يمكن التحرك ضمن الإطار الضيق المسمى بالعمل السياسي دون التنازل عن المواقف والحقوق والمطالبة بالاصلاح الحقيقي.

فعل سبيل المثال هناك العديد من الجهات التي اعترضت على قانون الانتخابات الأخير، ولكنها تغيبت عن الجلسة التي تمت مناقشة القانون والتصويت عليه، ولم تقم حتى بالتظاهر خارج القبة مبدية رأيها ومعبرة عن مطالبها بما يجب أن يشمله القانون، كما لم تهتم الحراكات بمحاولة الوصول إلى أصحاب القرار-مهما كان الموقف منهم– بهدف إقناعهم بتعديل أو تغيير على القانون المقترح.

ويأتي السائل ليقول: ما هو موقف المعارضة بصورة دقيقة؟ وما هو المطلوب بالتحديد؟ وهل هناك موقف متفق عليه ومنطقي كان ممكن العمل على أساسه؟ فكما يقول المثل المعروف إذا أردت أن تطاع فاطلب المستطاع!

إن العمل السياسي الإصلاحي عمل صعب ومتشعب ويجب أن يتم العمل فيه من خلال استراتجية عملية طويلة المدى تعتمد على التدرج بهدف الوصول إلى الإصلاح الشامل، فمن الممكن أن نقبل الأقل دون أن نستسلم ودون أن نتنازل عن هدفنا البعيد..

هذه بعض أساسيات العمل السياسي.. وكما يقول المثل العالمي: من لا يتحمل الحر لا يستطيع ان يبقى في المطبخ!

span style=color: #ff0000;* مدير عام راديو البلد وموقع عمان نت/span

أضف تعليقك