أخبار مفزعة!
لأيام مضت، انشغلت وسائل إعلام ومواقع تواصل اجتماعي بأخبار مفزعة: لا رواتب للموظفين بعد ثلاثة أشهر؛ انفجارات يخطط لها النظام السوري في الزرقاء والمفرق.
كانت هذه مجرد عينتين، وهناك ما هو أخطر.حظيت تلك الأخبار بمتابعة واسعة، وجرى تداولها على نطاق واسع.
وأضاف إليها البعض، معتمدين على خيالهم لواسع، المزيد من عناصر التشويق والإثارة.
لكن قصة الرواتب هي مجرد ملاحظة عابرة وردت خلال لقاء الملك مع النواب، في معرض الحديث عن سوء الأوضاع الاقتصادية، وقام أحدهم ببهرجتها ونشرها باعتبارها حقيقة.
وبالنسبة لتفجيرات الزرقاء والمفرق، والتي اعتقد بعضنا أنها قد وقعت بالفعل من كثرة ما تم تداولها، فهي مجرد توقعات لكاتب كويتي، جاءت في سياق هجومه على "النظام النصيري" في سورية.
في عصر الإنترنت والإعلام الرقمي، تتدفق المعلومات والأخبار كالسيل الجارف، وفيها من الأكاذيب ما يساوي الحقائق تقريبا، ولا تستطيع أي جهة "فلترة" المعلومات أو تنقيح الغث من السمين.
الفيصل في العملية كلها هو المتلقي، والذي يفترض به، وبعد تجربة ليست بقصيرة مع وسائل الإعلام الجديد، أن يكون بلغ سن الرشد الإلكتروني، بحيث يصبح قادرا على تقييم المعلومات ومدى صحتها وأهميتها، قبل أن يصدقها ويجهد في ترديدها.
لكن، تنبغي الإشارة هنا إلى أن التعامل مع الإشاعات والأخبار غير الموثقة يختلف من مجتمع لآخر.
في الدول الديمقراطية العريقة، تحرص الحكومات على بناء جسور الثقة مع المواطنين، وتحترم حقوق الناس في الحصول على المعلومات؛ فلا يعودون مضطرين للالتفات إلى الأخبار المفبركة، وتتشكل لديهم مناعة ضد الإشاعات.
في بلدان مثل الأردن تغيب عنها مثل هذه التقاليد، ترسخ الانطباع لدى عامة الناس بأن الحكومات تكذب عليهم باستمرار؛ فلا يصدقون رواياتها، بينما يتبنون الأخبار التي تأتي من مصادر أخرى، حتى ولو كانت مجهولة أو غير موجودة أصلا، خاصة إذا كانت هذه الأخبار سلبية.
وفي الجلسات العامة، كثيرا ما نسمع أخبارا ومعلومات يرددها الناس على أنها حقائق لا تقبل النقاش، بينما هي في الواقع مجرد أوهام لا أساس لها من الصحة. ولشدة تمسكهم بها، تفضل أن تجاري صاحبها ما دام غير مستعد للتنازل عنها.غير أن سرعة انتشار الأخبار المفزعة، وتصديق الناس لها، هما مؤشر على بلوغ حالة القلق مستويات قياسية.
إن الشعور العام لدى الأردنيين بالخوف من المستقبل، جراء ما يحدث من حولهم في المنطقة، إضافة إلى الأوضاع الاقتصادية الصعبة وحديث المسؤولين المستمر عن الأزمة المالية المستفحلة والقرارات الصعبة، يضعهم تحت ضغط كبير يفقدون معه حالة اليقين والثقة بالنفس، لدرجة أن معلومة لا يمكن لأحد أن يصدقها عن عدم قدرة الدولة على دفع الرواتب، تخلق حالة من الفزع في أوساط الناس، وتلقي بظلال قاتمة على الأسواق.
المواطن الذي يأخذ معلومات مفبركة يفترض أنها غير قابلة للتصديق هو على الأرجح مواطن مرعوب مما يدور حوله من أحداث، ويشعر أن حياته لم تعد في مأمن.
وهنا مكمن الخطر الذي يتطلب المعالجة من أصحاب الشأن.
الغد