أحزاب وانتخابات

أحزاب وانتخابات
الرابط المختصر

إن صحت الأنباء ، فسنكون أمام أربع كتل سياسية ـ حزبية تتنافس على مقاعد المجلس النيابي السادس عشر المقبل ، كتلة التيار الوطني ، وكتلة مرشحي العمل الإسلامي ، كتلة التيار الديمقراطي (المعارضة اليسارية والقومية) وكتلة التجمع الوطني الممثل لأحزاب الوسط الوطنية ، وهذا أمر جيد ومحمود حتى وإن كان القانون الانتخابي الحالي "غير صديق" للأحزاب السياسية ، وحتى إن كانت فرص الأحزاب السياسية ، بالذات الوطنية واليسارية والقومية ضعيفة للغاية.

بخلاف مرشحي "العمل الإسلامي" الذي يعتمدون على شعبية الحزب لحملهم إلى البرلمان ، فإن أحزاب التيار الوطني والوسطي ، وبالأخص "التيار الوطني" ستعتمد على مرشحين يحملون أحزابهم على ظهر قوة النفوذ الشخصي والبيروقراطي والقاعدة الانتخابية العشائرية ، في حين تبدو الأحزاب القومية واليسارية مفتقدة لهذا وذاك ، فلا زخم حزبياً كفيل بإيصال مرشحين للندوة البرلمانية ، ولا هي أحزاب متماهية مع البنية العشائرية كما هو حال "التيار".

ولهذا السبب بالذات ، فإن من المرجح أن يحظى مرشحو "التيار" بفرص عالية للوصول إلى قبة البرلمان ، اعتماداً على قواعدهم الانتخابية الشخصية ، وليس على قوة الحزب (التيار) الذي بالكاد تعرّف عليه الأردنيون ، ولم تصل رؤاه وبرامجه لهم بعد ، كما أن "حزب جبهة العمل الإسلامي" والجماعة الأم ، جماعة الإخوان المسلمين ، سيتمكنان من إيصال عدد من النواب إلى البرلمان ، ربما بزيادة عمّا كان لهم في البرلمان السابق (المنحل) وأقل من البرلمان الذي سبقه (الرابع عشر).

وربما يحالف الحظ أحزاباً وسطية (وطنية) أخرى في إيصال مرشحين إن أتقنت فن اختيار مرشحيها من بين الذين يتمتعون بقواعد اجتماعية وتمثيل عشائري أو جهوي ، وإن خلصت النوايا الائتلافية لدى أركانها ، وإن عرفت كيف تخوض المنافسة وأين ، وفي مطلق الأحوال ، فإن القوة الحاسمة في تقرير ما إذا كانت هذه الأحزاب ستحظى بمقاعد نيابية أم لا ، إنما تقررها عوامل عديدة ، ليس من بينهما قوة الزخم والتمثيل الحزبيين.

وتستطيع أحزاب اليسار والأحزاب القومية ، أن توفر لنفسها فرصة في الوصول إلى القبة إن هي اعتمدت ذات الألية التي قد تعتمدها الأحزاب الوسطية ، كأن تختار شخصيات "قريبة" من اليسار أو ذات جذور قومية ، وتتمتع في الوقت ذاته بثقل اجتماعي عوائلي وحمائلي وعشائري ، تقدم لها الدعم والإسناد ، وتخوض من خلفها معركة الانتخابات النيابية القادمة.

في ظني أن على الأحزاب ، جميع الأحزاب ، فرادى والأفضل في جماعات وائتلافات ، أن تخوض غمار الاستحقاق الدستوري ، برغم كل ما قيل ويمكن أن يقال عن سوءات قانون الانتخاب المؤقت ، فالانتخابات هي لحظة مكثفة في حياة الشعب والمجتمع ، يستطيع الحزب في خلالها أن يروّج لأفكاره ومبادئه على أوسع نطاق شعبي ممكن ، وسواء نجح الحزب في إيصال ممثلين عنه البرلمان أم لم ينجح ، فإن قرار المشاركة يجب أن يظل سيد الموقف وفي كل الأحوال وجميع الظروف.

أما الخريطة الحزبية للبرلمان القادم ، فستكون على الأرجح في منزلة وسط بين خريطتين ، خريطة البرلمان الرابع عشر والبرلمان المنحل: كتلة رئيسة للتيار الوطني ، يغلب عليها اللون الرمادي ، لا هي في الحكم ولا في المعارضة ، وكتلة معارضة متواضعة للعمل الإسلامي ، ونواب متفرقين قد يحسبون أنفسهم أو تحتسبهم الأحزاب الوطنية والوسطية الأخرى على خطها ونهجها من دون أن يكون لهم لون متميّز ، وربما ينجح "صديق" أو اثنان لليسار والقوميين لا أكثر ولا أقل في شغل مقاعد في البرلمان الجديد.

نحن لا نعرف حتى الآن ، الوجهة التي سيسلكها حزب جبهة العمل الإسلامي في الانتخابات المقبلة ، وما إذا كان سيشارك أم سيقاطع (الأرجح أنه سيشارك) ، خصوصا بعد انتهاء أزمة انتخاباته الداخلية الأخيرة ، كما أننا لا نعرف إن كان الحزب سينافس في دوائر قليلة ومحدودة كما فعل في مرات سابقة وتحت شعار "مشاركة لا مغالبة" ، أم أن الأوان قد آن بالنسبة إليه لخوض منافسة جدية في كل دائرة وعلى كل مقعد ، ولو كنت في موقع صنع القرار في الحزب ، لخضت المنافسة على اتساعها ، حتى وإن كنت مدركاً بأن نصيب مرشحي الحزب في الانتخابات لن يتخطى المعدل الوسطي لآخر برلمانيين في معظم الظروف ومختلف الأحوال.

هي مناسبة لخوض معركة "الحجوم" ، فليس من انتخابات أخرى ، نقابية أو بلدية أو طالبية ، يمكن أن توفر "تقدير دقيق" عن أحجام وأوزان القوى السياسية مثل الانتخابات البرلمانية ، وقد آن أوان لإنهاء الجدل حول "حجم" الحركة الإسلامية في الأردن وقوة تمثيلها الشعبية وخريطته ، بل وحول أوزان وأحجام مختلف الأحزاب والتيارات السياسية والفكرية ، وهذا أمر لا ينبغي أن يقلق أحدا ، لا الإسلاميين الذين قد يتخوفون من مفاجآت تراجع وزنهم ، ولا الحزبيين الذين يتعين عليهم مكاشفة أنفسهم بحقائق اوزانهم واحجامهم ، ولا الحكومة التي قد تخشى برلماناً بمعارضة وازنة. وفي ظني أن نتائج ستكون معتدلة في مختلف الظروف ، وهذا هو الوصف الأكثر تعبيراً واعتدالاً لوزن الحركة الإسلامية والمعارضة عموماً وثقلهما.

أضف تعليقك