آليات مكافحة جريمة شراء الأصوات في الأردن

آليات مكافحة جريمة شراء الأصوات في الأردن
الرابط المختصر

تعد ظاهرة شراء الأصوات من الجرائم التي تؤثر سلبا في نزاهة الانتخابات وشفافيتها، حيث ترتبط ارتباطا وثيقا بتمويل الحملات الانتخابية والقواعد القانونية الخاصة بإجراءات الدعاية الانتخابية. لذا فقد اهتمت معظم التشريعات العربية والأجنبية بهذه الظاهرة، وأفردت لها مجموعة من الآليات القانونية الخاصة لتنظيمها ومواجهتها، والتي يمكن تقسيمها إلى آليات وقائية وآليات عقابية لمكافحة ظاهرة شراء الأصوات. إن التشريعات الأردنية الناظمة للانتخابات النيابية ما زالت بعيدة كل البعد عن التطبيق الأمثل لمثل هذه الآليات، وهو ما من شأنه أن يثير شكوكا حول تأثير ظاهرة شراء الأصوات على الانتخابات النيابية المقبلة المنوي إجراؤها مطلع العام المقبل.

أولاً: الآليات الوقائية لمكافحة ظاهرة شراء الأصوات

يأتي في مقدمة هذه الآليات الوقائية وضع مجموعة من الضوابط والقيود على التبرعات والمساعدات المالية التي يمكن أن يتلقاها المرشح أو القائمة الانتخابية، والتي من أهمها تحديد سقف معين من الأموال التي يمكن تقديمها للمرشح أو القائمة الانتخابية، والكشف عن قيمة تلك الأموال ومصادرها، وأوجه انفاقها أثناء الحملات الانتخابية.

كما يدخل ضمن الآليات الوقائية لمكافحة هذه الظاهرة فرض سقف مالي محدد لكل مرشح أو قائمة انتخابية ليتم صرفه أثناء الحملة الانتخابية، بحيث لا يسمح للمرشح أو القائمة بتجاوز ذلك المبلغ المالي والذي تحدده الجهة المسؤولة عن إجراء الانتخاب تبعا لحجم ومساحة المنطقة الجغرافية وعدد الناخبين فيها.

ومن الآليات الوقائية الأخرى فرض رقابة مستقلة على الأمور المالية للمرشحين والقوائم الانتخابية وذلك من خلال متابعة المبالغ التي يتم صرفها على الحملات الانتخابية ومقدارها، وإلزام كل مرشح بأن يصرف نفقات حملته الانتخابية من خلال حساب بنكي خاص بذلك، على أن يعد تقريرا عن المبالغ التي أنفقها على دعايته الانتخابية وآلية إنفاقها، وأن يسلمه إلى الجهة المختصة بإجراء الانتخاب.

إن تطبيق الدول الأجنبية والعربية لتلك المعايير الوقائية يختلف من دولة إلى أخرى، ففي بريطانيا مثلا فإن الهيئة المستقلة للانتخاب تمارس رقابة مستمرة على الأحزاب البريطانية والتي تملك الحق القانوني في تلقي التبرعات والمساعدات المالية في أي وقت وليس أثناء فترة الانتخابات فقط. وهذه التبرعات يجب أن يتم الافصاح عنها للهيئة، وأن يتم الإشارة إليها في سجلات الحزب المالية وذلك تحت طائلة إعادتها إلى مصدرها، مع التركيز على عدم قبول أي تبرعات من مصادر غير معلومة.

أما في الولايات المتحدة الأمريكية، فقد ألزم قانون الانتخاب المرشحين بتشكيل لجنة سياسية خاصة بهم تسجل لدى هيئة الانتخاب الفدرالية تكون مهمتها جمع التبرعات وإدارة الانفاق على الحملات الانتخابية، حيث يتم تعيين أمين صندوق لتلك اللجنة تكون مهمته إعداد كشوف بالأموال التي تم جمعها للحملة الانتخابية وأوجه إنفاقها، على أن يتم نشر تلك التقارير على الموقع الالكتروني لهيئة الانتخاب الفدرالية. كما يسمح القانون الأمريكي للمرشحين قبول التبرعات والمساعدات المالية المقدمة من الشركات والمؤسسات الخاصة والنقابات المهنية شريطة أن يتم الإفصاح عنها وعن مصدرها إلى هيئة الانتخاب الفدرالية.

وكذلك الحال في فرنسا، فقد فرض قانون الانتخاب سقفا معينا للإنفاق المالي على الحملات الانتخابية وعلى مقدار المساعدات المالية التي يسمح للمرشحين قبولها، حيث حظر القانون على المرشحين قبول أية تبرعات أو تمويل من مصادر أجنبية ومن جهات غير معلومة، كما اشترط القانون أن يتم إيداع الأموال كافة التي يتم تخصيصها وصرفها على الحملات الانتخابية في حساب بنكي خاص بتمويل الحملة الانتخابية، والذي لا يسمح للمرشح نفسه أن يكون مسؤولا عنه، وإنما يدار من خلال وسيط مالي. وأهم ما يميز ذلك الحساب البنكي أنه لا يخضع للسرية المصرفية، بمعنى أنه يحق للهيئة المشرفة على الانتخاب أن تراقب وتستفسر عن العمليات المصرفية المتعلقة به. كما يلزم القانون الفرنسي المرشح أن يقدم تقريرا ماليا إلى الهيئة المشرفة على الانتخاب يتضمن الأموال التي أنفقها على حملته الانتخابية ومقدارها وذلك خلال شهرين من يوم الانتخاب.

وفي الدول العربية وتحديدا مصر، فقد حدد قانون الانتخاب المصري سقفا أعلى للإنفاق على الدعاية الانتخابية للمرشحين لعضوية مجلس الشعب، وأجاز للمرشحين قبول التبرعات والمساعدات المالية شريطة أن لا تكون من جهات أجنبية أو دولية أو من مصادر غير معلومة، وأن يتم الإفصاح عنها إلى اللجنة القضائية العليا للانتخابات. وكذلك الحال في لبنان، فقد حدد قانون الانتخاب فيها سقفا أعلى للإنفاق الانتخابي، وسمح لكل مرشح أن يتلقى تبرعات ومساعدات مالية شريطة أن لا يكون مصدرها من دول أجنبية أو أشخاص غير لبنانيين أو من مصادر غير معلومة، وأن يتم الإفصاح عنها وعن مصدرها وكيفية إنفاقها.

أما عن آلية الصرف على الحملات الانتخابية، فقد اشترط القانون اللبناني على كل مرشح أن يفتح حساب بنكي خاص بحملته الانتخابية تودع فيه التبرعات والمساعدات المالية كافة، بحيث لا يجوز صرف أي مبالغ مالية تزيد على 100 ألف ليرة لبنانية إلا من خلال ذلك الحساب المصرفي. كما يجب على المرشح أن يعين مدققا ماليا لمتابعة الإنفاق الانتخابي من خلال الحساب البنكي، وأن يقوم بإعداد تقرير مالي للهيئة المشرفة على الانتخابات يبين فيه المعاملات والمبالغ النقدية كافة التي صرفت خلال الحملة الانتخابية وذلك خلال شهر من يوم الانتخاب.

أما في ليبيا، فقد أوكل قانون الانتخاب الجديد لعام 2012 مهمة الإشراف على الانتخابات للمفوضية العليا للانتخابات التي حددت سقفا معينا للانفاق الانتخابي، وسقفا للتبرعات والمساعدات النقدية التي يسمح للمرشحين قبولها من الأشخاص الطبيعيين الليبيين والاعتباريين من دون الأجانب والدول الأجنبية. كما يلزم القانون كل مرشح بفتح حساب مصرفي لحملته الانتخابية عند تقديمه طلب الترشيح، على أن يعين له مندوبا ماليا لتنظيم وتوثيق الأمور المالية الخاصة به. وتصرف جميع نفقات الحملة الانتخابية التي تزيد قيمتها عن 200 دينار ليبي من الحساب البنكي. وبعد نهاية الانتخابات يجب على كل مرشح أن يقدم تقريرا ماليا للمفوضية العليا خلال 15 يوما من تاريخ اعلان النتيجة النهائية للانتخاب يتضمن المبالغ المالية التي أنفقها، مرفقا به كشف حساب مصدق من البنك حتى تاريخه.

في الأردن، فقد عجز قانون الانتخاب عن تحديد سقف أعلى للحملات الانتخابية، وعن إيجاد أية آلية وقائية لمراقبة إنفاق المرشحين على حملاتهم الانتخابية. كما جاءت معالجة قانون الأحزاب السياسية الأردني لعام 2012 للتبرعات والمساعدات التي يتلقاها الحزب خجولة بحيث تقتصر فقط على تحديد الجهات التي يحظر قبول التبرعات منها، من دون فرض التزام صريح على الحزب السياسي بالإفصاح عن تلك التبرعات وقيمتها ومصدرها وآلية صرفها. أما مسودة التعليمات التنفيذية الخاصة بقواعد الدعاية والحملات الانتخابية وإجراءاتها الصادرة عن الهيئة المستقلة للانتخاب، فقد اقتصرت فقط على إلزام كل مرشح وقائمة انتخابية بأن تفصح عن موارد تمويل حملتها الانتخابية وأوجه إنفاقها، وذلك بموجب تقرير مالي يقدم للهيئة خلال فترة لا تتجاوز خمسة عشر يوما من يوم الاقتراع مرفقاً به إقرار خطي بصحة المعلومات الواردة فيه.

ثانيا: الآليات العلاجية لمكافحة ظاهرة شراء الأصوات

إن الآليات العلاجية لمكافحة ظاهرة المال السياسي وشراء الأصوات تظهر جليا في النصوص القانونية التي تعاقب من يخالف الآليات الوقائية السابقة على اعتبار أن جريمة شراء الأصوات تعد من أهم الجرائم الانتخابية التي تشكل تهديدا لمبدأ سرية التصويت. ففي مصر مثلا، فإن المادة (48) من القانون المصري رقم (73) لسنة 1956 وتعديلاته المتعلق بتنظيم مباشرة الحقوق السياسية تعاقب كل من أعطى آخر أو عرض أو التزم بأن يعطيه فائدة لنفسه أو لغيره لكي يحمله على الامتناع عن إبداء رأيه في الانتخابات أو إبدائه على وجه معين، وكل من قبل أو طلب فائدة من هذا القبيل لنفسه أو لغيره بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تجاوز خمسة آلاف جنيه. وفي لبنان، يعاقب قانون الانتخابات اللبناني رقم (25) لسنة 2008 في المادتين (59) و(62) منه كل مرشح قام أثناء حملته الانتخابية بدفع مبالغ مالية للناخبين على شكل مساعدات نقدية أو عينية وذلك بالحبس لمدة أقصاها ستة أشهر وبغرامة تتراوح بين خمسين ومئة مليون ليرة لبنانية. أما قانون الانتخاب الأردني رقم (25) لسنة 2012 فقد عاقب بالأشغال الشاقة مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد على سبع سنوات كل من أعطى الناخب مباشرة أو غير مباشرة أو أقرضه أو عرض عليه أو تعهد بأن يعطيه مبلغا من المال أو منفعة من أجل حمله على الاقتراع على وجه خاص، أو الامتناع عن الاقتراع أو للتأثير في غيره للاقتراع أو الامتناع عن الاقتراع.

إن ما يفتقر إليه قانون الانتخاب الأردني والتشريعات المقارنة في ما يتعلق بمكافحة ظاهرة شراء الأصوات أنها قد اقتصرت فقط على تجريم المال الانتخابي الأسود من خلال الحظر على كل مرشح أن يقدم أثناء حملته الانتخابية هدايا أو تبرعات أو مساعدات نقدية أو عينية للناخبين، لكنها لم تضع آلية معينة لتحديد تلك الجريمة لمتابعتها ورصدها وبالتالي الحد من وقوعها. فشراء الأصوات لا يتم عادة في وضع النهار وبشكل علني، بل بشكل سري لا يعلم به أحد. كما أن الأشخاص الذين يقومون بشراء الأصوات هم في الواقع مندوبو المرشحين ووكلائهم وليس المرشحون أنفسهم، مما يجعلهم بمنأى عن تطبيق النص الجزائي عليهم استنادا لمبدأ شخصية العقوبة. لذا فإن هناك حاجة ماسة إلى التشدد في معالجة هذه الظاهرة وذلك من خلال إيقاع عقوبات تبعية على المرشح الذي يثبت ضلوع أحد مندوبيه أو وكلائه في شراء الأصوات كإلغاء ترشيحه إذا ما ثبت الجرم قبل إعلان النتائج، أو الحكم بإلغاء نتيجة الانتخاب وبالتالي فقدانه مقعده الانتخابي إذا ثبت جرم شراء الأصوات بعد إعلان النتائج.

إن مثل هذا الإجراء مطبق في بريطانيا، حيث سبق وأن قررت محكمة الانتخابات البريطانية الخاصة في شهر تشرين الثاني من عام 2010 في الدعوى التي أقامها المرشح إلوين واتكينز ضد النائب العمالي فيل ولاس قبول الطعن المقدم في صحة عضوية النائب فيل بعد أن ثبت للمحكمة البريطانية أن حملته الانتخابية قد شابها فساد مالي وسياسي وشراء أصوات، وقضت بإلغاء نتيجة الانتخابات والحكم بفقدان النائب فيل لمقعده في البرلمان وذلك عملاً بأحكام قانون تمثيل الشعب في بريطانيا لعام 1983 .

كما أن من أهم الآليات العلاجية الأخرى لظاهرة شراء الأصوات أن لا تقتصر العقوبات الجزائية المقررة لتلك الجريمة على الحبس والغرامة، بل يجب أن تمتد لتشمل عقوبات تبعية متعلقة بحق الانتخاب والترشح بحيث يحرم من يثبت تورطه في جريمة شراء أصوات من الترشح للانتخابات والتصويت فيها لمدة زمنية معينة، كما هو مطبق في قانون الانتخاب الفلسطيني رقم (9) لسنة 2005 الذي يعطي الحق في المادة (103/ 3) منه للمحكمة التي تنظر في جريمة الرشوة أن تقرر استبعاد اسم كل من ثبت تورطه في إعطاء أي ناخب نقودا أو منفعة مالية من أجل حمله على التصويت على وجه خاص وكل من طلب أية منفعة أو نقود للغاية نفسها من قوائم المرشحين وبالتالي حرمانه من حق الانتخاب والترشح.

والطريف بالأمر أن قوانين الانتخاب السابقة في الأردن كانت تتضمن نصوصا قانونية مشابهة، فقانون ذيل لقانون الانتخاب للمجلس التشريعي لعام 1928 كان يعاقب كل من يعرض نقودا على الناخب لإغرائه على التصويت أو الامتناع عن ذلك بالحبس مع حرمانه من تاريخ إدانته ولمدة ست سنوات من أن يسجل كمنتخب أو يصوت في أي انتخابات في شرق الأردن. كما نصت المادة (37) من قانون الانتخاب الأردني رقم (9) لسنة 1947 على معاقبة كل من يرتكب جرائم انتخاب من إغراء أو تهديد أو إكراه الناخب على التصويت على وجه خاص أو استعمال الغش والخداع لتضليل الناخب بالحبس مع حرمانه من حق الانتخاب لمدة خمس سنين من تاريخ الحكم عليه.

ومن الآليات العلاجية الأخرى لمكافحة المال السياسي أن جريمة شراء الأصوات يجب أن لا تسقط بالتقادم، وأن لا يتم وقف تنفيذ العقوبات المقررة لها أو استبدالها بغرامة، وأن يتم معاقبة الشروع في هذه الجريمة بعقوبة الجريمة التامة نفسها كما هو الحال في قانون الانتخاب السوري رقم (26) لعام 1973 الذي يعاقب في المادة (46) منه على الشروع في جرائم الانتخاب بالعقوبة المنصوص عليها للجريمة التامة، وهي الأمور التي يفتقدها قانون الانتخاب الأردني الذي نص صراحة على أن تسقط بالتقادم بعد ثلاثة سنوات جميع جرائم الانتخاب، ولم يتضمن أي نص خاص على معاقبة الشروع بارتكاب جريمة شراء الأصوات أثناء الحملات الانتخابية.

* أستاذ القانون الدستوري المساعد في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية

العرب اليوم

أضف تعليقك