بعد أن وضعت الانتخابات “أثقالها” نكتشف انها أفضت بنا الى ثلاث بوابات: بوابة الأمل، وبوابة اليأس وبوابة استنهاض الهمة، فمن أية بوابة سندخل في المرحلة القادمة؟ البعض ما زال يعتقد أن ثمة مؤشرات تدفعنا الى التعلق بالأمل، حتى لو كان “بصيصا”، فالانتخابات مهما كانت التحفظات عليها جرت وأفرزت مجلساً جديداً، ربما لم يكن بحجم طموح الناس، لكنه لم يخرج عن “توقعاتهم”، ربما يكون صورة عن المجالس السابقة، لكن مجرد حضوره في المشهد السياسي سيمنحنا فرصة للتفكير في اليوم التالي، زد على ذلك ان “الامل” - كما يرى هؤلاء - مطلوب، فنحن امام واقع جديد فيه مجلس نيابي يتوجب ان نتعامل معه، وان نقيمه قبل ان نصدر الاحكام عليه، وان ندفع باتجاه “تغيير” الصورة من داخله، وتحفيز اعضائه على تحسين ادائهم وعدم الوقوع في “بؤس” التجارب البرلمانية السابقة.
آخرون يعتقدون ان هذه الانتخابات بما انتهت اليه من نتائج ادخلتنا الى بوابة “اليأس” فقد اغلقت امامنا فرصة “التوافق” على الاصلاح وأشغلت مجتمعنا في انقسامات جديدة، واضافت الى المحتجين الذين خرجوا للشارع “طبقة” جديدة من “الغاضين الذين خسروا في الانتخابات وشككوا في نتائجها، كما انها عكست صورة مجتمعنا الذي أفرز بعض النواب الذين لا يستحقون “النيابة”، وعكست ايضاً اخطاءنا التشريعية والاجرائية، واوزان نخبنا التي كان صوتها اعلى من الجميع.
ايضا - يرى هؤلاء - واغلبهم من خارج دائرة النخب السياسية - انه لا فائدة من محاولات تجميل الصورة، ولا جدوى من “البحث” عن بدائل ما دام ان “الخل أخو الخردل”، فهذه الانتخابات أعادت المجتمع الى المربع الأول.
اما أصحاب وجهة نظر “البوابة الثالثة” فيرون ان الطريق امام الاصلاح ما زال في بدايته، وان ما جرى في الانتخابات مجرد “بروفة” للتأكيد على ان مجتمعنا يحتاج لمزيد من “الفاعلية” لكي يغير الصورة بالاعتماد على نفسه، ولكي يخرج من “المحنة” التي وضعته فيها مناخات سلبية تراكمت من عقود.
وحين تسألهم ما العمل، يجيبون: لا بد من استنهاض همة المجتمع، ولا بد من الاستمرار في الحراكات وفي المطالبة بالاصلاح الشامل، وحين تسألهم: ما علاقة الانتخابات “باستعادة الهمة” يجيبون: لقد فتحت عيون الناس امام “وصفة” الاصلاح وكشفت اخطاءها، وبدل ان يترسخ داخلهم الاحساس بالاحباط وبلا جدوى الحركة يجب ان تحثهم على الخروج من الصمت والحيرة، وان تحيي داخلهم الرغبة في “التغيير” والحرص على العمل مهما كانت الظروف محبطة والطرق مسدودة.
لا أدري - بالطبع - من اين الابواب الثلاثة سيدخل مجتمعنا في الايام القامة؟ هل سيستسلم للواقع ويتعلق بآماله أم انه سينحاز الى “اليائسين” أم انه سيختار طريق “احياء الهمة” واستنهاض الروح وأخشى ما أخشاه ان ننظر الى صورتنا في مرآة الانتخابات، وان ندقق في خيوطها وخرائطها والتباساتها، ثم نغمض عيوننا ونستسلم “لنوم” عميق مكلل بالاحباط، أو ندخل الى “كهف” جديد.. ولا نخرج منه الى بعد عقود.
الدستور